عدم الحرمة. ثم لو نصّ القرآن الكريم على حرمة الميتة ـ كما هو كذلك ـ ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (١) فإنّ الآية الشريفة وبمقتضى نصوصيتها تكون واردة على دليل البراءة أي أنّها تنفي موضوع الحكم في دليل البراءة وهذا النفي يكون حقيقيا ؛ وذلك لأنّ موضوع البراءة هو الشك في الحرمة ومع نص القرآن الكريم على الحرمة ينتفي الشك في الحرمة ويكون النص القرآني موجبا للعلم بالحرمة ، فموضوع البراءة قد انتفى حقيقة بواسطة الدليل الوارد.
وأمّا حالات التعارض بين الأمارات المعتبرة والأصول :
فإنّ الذي عليه العمل عندهم هو تقديم الأمارات على الأصول العمليّة ، فلو كان مؤدى خبر الثقة مثلا هو الحرمة ومقتضى البراءة الشرعية هو عدم الحرمة فإنّ المقدم هو خبر الثقة رغم اتحاد موضوعهما والذي هو الشك في الحكم الواقعي ، وهذا كما قلنا ليس محلا للإشكال عملا وإنّما وقع البحث عن التخريج الصناعي لهذا التقديم ، وهنا ذكرت مجموعة من المحاولات ذكر المصنّف رحمهالله منها محاولتين :
المحاولة الأولى : هي دعوى ورود أدلّة الأمارات على أدلّة الأصول العمليّة ، وقد يبدو بالنظرة الأولى فساد هذه الدعوى ؛ وذلك لأنّ قوام الورود هو نفي الدليل الوارد لموضوع الحكم في الدليل المورود حقيقة وهذا غير حاصل في المقام لأنّ موضوع الأصل العملي هو عدم العلم وحين قيام الأمارة لا ينتفي موضوع الأصل ، إذ أنّ الأمارة لا تنتج العلم بل غاية ما تنتجه هو الظن فيظلّ موضوع البراءة منحفظا في موارد قيام الأمارات.
__________________
(١) سورة المائدة آية ٣.