وليس هو الوجود الخارجي ، نعم الصورة المرئيّة بواسطة المرآة تكون كاشفة عن الوجود الخارجي ، فصورة وجه زيد هي المرئية بواسطة المرآة أولا وبالذات ووجه زيد الخارجي إنّما انكشف لنا بواسطة الصورة ، وهذا يعني أنّ المرآة كشفت عن وجه زيد الخارجي بالتبع وبالعرض.
وبهذا يتّضح أنّ العلم بالحكم معلول للصورة الذهنيّة للحكم وليس هو معلولا لواقع الحكم ، فقد لا يكون هناك حكم في الواقع فكيف يكون علّة وهو عدم ، وهذا بخلاف الصورة الذهنيّة فإنّها تكون ثابتة في ظرف العلم ، وبهذا تسقط دعوى الدور لبطلان دعوى توقف العلم بالحكم على نفس الحكم أي واقع الحكم.
والإشكال على هذا الجواب : هو أنّه وإن كانت كبراه مسلّمة إلاّ أنّه لا ينفع في دفع غائلة الدور ؛ وذلك لأنّه لا ريب في أنّ العلم ليس له إلاّ دور الكاشفيّة عن متعلقه « المعلوم » وأخذ العلم بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم يعني أنّ العلم صار له دور توليد الحكم ، إذ أنّ الموضوع ـ كما قلنا ـ يولّد الحكم.
وبعبارة أخرى : إنّه لمّا كان العلم بالحكم جزءا لموضوع نفس الحكم فهذا يعني أنّ العلم بالحكم ساهم في إيجاد الحكم ، والحال أنّ العلم ليس له إلاّ دور الكشف عن الحكم وهذا ما يقتضي تأخّره عن الحكم الذي يكشف عنه ، فما ينبغي أن يكون متأخرا صار متقدّما ومولّدا وهذا غير معقول ، إذ كيف يكون الكاشف مولّدا لمنكشفه الذي من المفترض أن يكون متقدما في وجوده عليه؟ فهل من المعقول أنّ المرآة توجد ما تكشف عنه والحال أنّ كاشفيّتها عنه تقتضي تقرّر المنكشف في رتبة سابقة على الكاشفيّة؟!