أنّه كان للرشيد باز أبيض ، يحبه حباً شديداً ، فطار في بعض متصيداته حتّى غاب عن أعينهم ، فأمر الرشيد أن يضرب له قبّة (١) ، ونزل تحتها ، وحلف أنّه لا يبرح من موضعه أو يجيئوا إليه بالباز ، وأقام بالموضع ، وأنفذ وجوه العسكر ، وسرح الأمراء والأقواد في طلبه على مسيرة يوم أو يومين وثلاثة .
فلمّا كان في اليوم الثاني آخر النهار نزل البازي عليه في يده حيوان يتحرك ، ويلمع كما يلمع السيف في الشمس ، فأخذه من يده بالرفق ، ورجع إلى داره فطرحه في طست ذهب ، ودعا بالأشراف والأطباء والحكماء والفقهاء والقضاة والحكّام ، فقال : هل فيكم من رأى مثل هذه الصورة قط ؟ فقالوا : ما رأينا مثلها قط ، ولا ندري ما هي .
قال : كيف لنا بعلمها ؟ فقال له ابن أكثم القاضي وأبو يوسف يعقوب القاضي : مالك غير إمام الروافض موسى بن جعفر تبعث وتُحضر جماعة من الروافض ، وتسأله عنها ، فإن علم كانت معرفتها لنا فائدة ، وإن لم يعلم افتضح عند أصحابه الذين عندهم أنّه يعلم الغيب ، وينظر في السماء إلى الملائكة .
فقال : هذا وتربة المهدي نعم الرأي وارسلوا خلف أبي الحسن عليه السلام وسألوه أن يحضر المجالس الساعة ومن عنده من أصحابه . وبعثوا خلف فلان وفلان من أصحاب الروافض .
فحضر أبو الحسن عليه السلام وجماعة من الشيعة معه ، فقال : يا أبا الحسن ، إنّما أحضرتك شوقاً إليك . فقال : «دعني من شوقك ، ألا إنّ الله تبارك خلق بين السماء والأرض بحراً مكفوفاً عذباً زلالاً ، كفَّ الموج بعضه على بعض من حواشيه لئلا يطغى خزنته فينزل منه مكيال فيهلك ما تحته ، وطوله أربعة فراسخ في أربعة فراسخ من
___________________
(١) في ك ، م : قبة تركية .