نفس الايمان. فجوابنا ان المراد انهم على بصيرة مما تعبدهم به وتقبل الهدى يسمى هدى كما ان الجزاء على الامتثال للدلالة يسمى هدى وهذا كقوله تعالى في أهل النار انهم قالوا ( لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا ) وارادوا بذلك النعيم والثواب.
[ مسألة ] يقال ما معنى قوله ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ومعلوم ان في الكفار من قرأه وآمن. فجوابنا أنه أراد قوما من الكفار مخصوصين في أيامه صلّى الله عليه وسلم علم الله تعالى ان الصالح ان يخبر الرسول بأمرهم لكيلا يتشدد في استدعائهم ولا يغتم ببقائهم على الكفر وذلك كقوله تعالى ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ) وهذا من العموم الذي يراد به الخصوص. وربما سألوا فقالوا اذا كان قد أخبرنا بأنهم لا يؤمنون فكيف كلفهم وكيف يقدرون على الايمان الذي لو فعلوه لكان تكذيبا لخبر الله تعالى. فجوابنا ان ذلك انما يدل على انهم لا يؤمنون اختيارا وان قدروا عليه فلذلك ذمهم وقد يقدر القادر على ما لا يختاره كما أنه تعالى يقدر على افناء الدنيا في هذا الوقت وان كان لا يختاره ولو كان ايمانهم اذا قدروا عليه قدرة على تكذيب الله لكان الله تعالى اذا قدر على اقامة القيامة الآن وقد أخبر بأنه لا يقيمها الا بعد علامات أوجب أن يكون قادرا على تكذيب الله وكان يجب اذا قدر على الضدين وإنما يفعل أحدهما أن يكون قادرا على تجهيل نفسه وهذا كلام من لا يعرف التكذيب والتجهيل وذلك ان التجهيل ما يصير به المرء جاهلا دون غيره والتكذيب ما يصير به كاذبا أو يتبين ذلك من حاله دون غيره.
[ مسألة ] في ذلك أيضا يقال اذا كان قد علم أنهم يكفرون فلما ذا حسن أن يكلفهم مع علمه بأنهم لا يختارون الا ما يؤديهم إلى النار. وجوابنا انه انما علم انهم لا يختارون الايمان مع تمكنهم من اختياره وتسهيله سبيلهم إلى اختياره بكل وجه فانهم انما يؤتون من قبل أنفسهم وأنهم لو اختاروا الوصول الى ثواب عظيم لصح ذلك منهم ويفارق حالهم حال من منع من الايمان وانما يقبح ذلك