وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ) وضرب أيضا مثلهم بالعنكبوت وضعف نساجته قال الكفار طعنا في ذلك كيف يضرب تعالى مثل آلهتنا بهذه المحقرات فأنزل الله تعالى هذه الآية وأراد أنه انما يضرب المثل بما هو أليق بالقصة وأصلح في التشبيه فاذا ضرب مثلهم في باب الضعف كان ذكر الحقير في المنظر من الحيوان أحسن موقعا ومعنى قوله ( بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ) أي في الصغر والضعف وعجائب الحكمة في البعوضة وصغار الحيوان أزيد من عجائبهما في كبار الحيوان لمن تأمل.
[ مسألة ] قالوا فقد قال تعالى ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) وذلك يدل على أنه تعالى يضل ويهدي لا كما تقولون بأنه تعالى لا يجوز عليه ذلك « قلنا » انا انما ننكر أن يضل تعالى عن الدين بخلق الكفر والمعاصي وارادتها كما ننكر أن يأمر بها ويرغب فيها ولا ننكر أن يضل من استحق الضلال بكفره وفسقه وقد نص الله تعالى على ما نقوله في تفسير هذه الآية ودل عليه لانه قال ( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ ) فنبه بذلك على أن قوله « يضلّ به كثيرا » أريد به يضل بالكفر به كثيرا والا كان لا يكون لقوله ( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ ) معنى لان غير الفاسقين يضلهم على قول القوم ثمّ انه تعالى وصف من يضله فقال ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) فبين تعالى أنه يضلهم بهذه الخصال لا أنه يبدؤهم بالضلالة وعلى هذا الوجه قال ( فَرِيقاً هَدى ) أي الى الثواب ( وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ) بين كيف حق ذلك فقال ( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ ) وعلى هذا الوجه قال ( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ) فخصهم بذلك وقال ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) أي الى الثواب وقال ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ