وقع منهما أكل الشجرة التي هي من جنس ما نهى الله تعالى عنه ويقال انها العنب ويقال التين ويقال الحنطة والأول أقرب أخرجهما تعالى من تلك الجنة ولم يخرجهما عقوبة لان معاصي الانبياء لا تكون الا صغائر ولو فعلوا كبائر لحسن ذمهم ولعنهم والنبوة تمنع من ذلك فلما عصيا كان الصلاح اخراجهما الى الارض لما في المعلوم من العواقب الحميدة وكان ابليس يظهر لهما فوسوس اليهما وكان عندهما أن الله تعالى انما نهى عن شجرة بعينها وأراد الله تعالى ذلك الجنس كله فذهلا عن هذا التأويل ولذلك قال تعالى ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) ولو علما ان النهي عام في ذلك الجنس لم يقدما على اكل ذلك ثمّ من بعد تاب الله عليهما فزال تأثير تلك المعصية فلذلك قال تعالى ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) وكان الله تعالى يعظم محل الانبياء لعلمهم كيف يتوبون وما الذي يؤدون من الكلمات ثمّ انه تعالى ذكر من يعد نعمه على بني اسرائيل وذكر أولادهم نعمة على الآباء لأن النعمة على الآباء بحيث تخلصوا من قتل الأعداء اياهم نعمة على الاولاد الذين لو لا ذلك الخلاص لم يوجدوا فعلى هذا الوجه خاطبهم بهذه النعم وأمرهم بالوفاء بعهده لقوله تعالى ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) وهو المجازاة ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) أي يجب أن تخافوا معصيتي فان ذلك يوقعكم في العقاب وآمنوا بما أنزلت على محمد صلّى الله عليه وسلم ولا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب ( وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) فقد كانوا يطمعون في الضعفاء فيضلونهم ويصرفونهم عن اتباع محمد صلّى الله عليه وسلم فلذلك قال ( وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) ثمّ قال ( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ) فدل بذلك على وجوب اظهار الحق بالدعاء اليه ودل به على ان من لبس الحق بالتشبيه فقد أقدم على عظيم وبين ان المرء كما يجب أن يدعو الى الخير يجب أن يتمسك به ومن لم يتمسك به لم يؤثر دعاؤه للغير فقال ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُوا