فكتب معاوية إلى الحسين : انّ من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء ، وقد أنبئت أنّ قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق ، وأهل العراق من قد جرّبت ، قد أفسدوا على أبيك وأخيك ، فاتّق الله! واذكر الميثاق ، فإنك متى تكدني أكدك!
فكتب إليه الحسين : أتاني كتابك ، وأنا بغير الذي بلغك عنّي جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلاّ الله ، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظنّ لي عند الله عذرا فى ترك جهادك ، وما أعلم [ ٦٠ ـ ألف ] فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الامّة.
فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلاّ أسدا.
وكتب إليه معاوية أيضا في بعض ما بلغه عنه : إنّي لأظنّ أنّ في رأسك نزوة! فوددت أن أدركها فاغفرها لك.
[١٠٧] ـ قال : وأخبرنا علي بن محمّد ، عن جويرية بن أسماء ، عن نافع بن شيبة قال :
لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم ، فأخذ بخطام راحلته فأناخ به ثم سارّه حسين طويلا وانصرف ، فزجر معاوية راحلته ، فقال له يزيد : لا يزال رجل قد عرض لك فأناخ بك! قال : دعه لعلّه يطلبها من غيري فلا يسوغه فيقتله (١).
رجع الحديث إلى الأول.
قالوا : ولمّا حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية ، فأوصاه بما أوصاه به وقال : انظر حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فإنّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصل رحمه وارفق به ، يصلح لك أمره ، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه!
__________________
(١٠٧) أخرجه ابن سعد في ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام من الطبقات برقم ٢٨٣ ، وعنه الحافظ ابن عساكر برقم ٢٥٥ ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٩٥ ، والمزّي في تهذيب الكمال : ٦ / ٤٠٥.
ومن قوله : ( قالوا : ولمّا حضر معاوية .. إلى آخره ، رواه المزّي في تهذيب الكمال : ٦ / ٤١٤ ـ ٤٢٢ ، وابن كثير في البداية والنهاية : ٨ / ١٦٢ إلى ١٦٥.
(١) سير اعلام النبلاء : ٣ / ١٩٨ ، تهذيب ابن بدران : ٤ / ٢٣٧.