فقال بنو عقيل ـ وكانوا معه ـ : ما لنا في العيش بعد أخينا مسلم حاجة ، ولسنا براجعين حتّى نموت.
فقال الحسين : « فما خير في العيش بعد هؤلاء » ، وسار.
فلمّا وافى « زبالة » (١) وافاه بها رسول محمّد بن الأشعث وعمر بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره ، وخذلان أهل الكوفة إيّاه بعد أن بايعوه ، وقد كان مسلم سأل محمّد بن الأشعث ذلك ، يعني حين ظفر به ابن زياد سأل ابن الأشعث وعمر بن سعد أن يكتبا إلى الحسين بذلك (٢).
فلمّا قرأ الكتاب استيقن بصحّة الخبر ، وأفظعه قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ثمّ أخبره الرسول بقتل قيس بن مسهر رسوله الذي وجّهه من بطن الرمّة (٣) ، وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق ، فلمّا سمعوا خبر مسلم وقد كانوا ظنّوا أنّه يقدم على أنصار وعضد تفرّقوا عنه ، ولم يبق معه إلاّ خاصّته!
فسار حتى انتهى إلى بطن العقيق (٤) ، فلقيه رجل من بني عكرمة ، فسلّم عليه وأخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسيّة إلى العذيب (٥) رصدا له.
ثمّ قال له : انصرف ـ بنفسي أنت ـ فو الله ما تسير إلاّ إلى الأسنّة والسيوف! ولا تتكلنّ على الذين كتبوا إليك ، فإنّ اولئك أوّل الناس مبادرة إلى حربك [ ٧١ ـ ألف ].
فقال له الحسين : « قد ناصحت وبالغت فجزيت خيرا » ، ثمّ سلّم عليه ومضى. حتّى نزل
__________________
(١) زبالة بضمّ أوّله : منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبيّة. ( معجم البلدان : ١ / ١٢٩ ).
(٢) لم توجد هذه العبارة ـ يعني حين ظفر به ... بذلك ـ في النسخة المطبوعة من الأخبار الطوال.
(٣) بطن الرمّة : بضم الراء وتشديد الميم ، وقد يقال بالتخفيف ، وقد ذكر في الرمة : وهو واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرمة قاع عظيم بنجد ، تنصبّ إليه أودية. معجم البلدان : ١ / ٤٤٩.
(٤) موضع بالقرب من ذات عرق قبلها بمرحلة ، وذات عرق منزل معروف من منازل الحاج ، ويحرم أهل العراق بالحجّ منه.
(٥) ماء لبني تميم على مرحلة من الكوفة ، سمّي بذلك لأنّه طرف أرض العرب.