فمكث أصحاب الحسين عطاشى.
قالوا : ولمّا اشتدّ بالحسين وأصحابه العطش أمر أخاه العباس بن عليّ ، وكانت امّه من بني عامر بن صعصعة ، أن يمضي في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، مع كلّ رجل قربة حتّى يأتوا الماء ، فيحاربوا من [ ٧٤ ـ ألف ] حال بينهم وبينه.
فمضى العبّاس نحو الماء وأمامهم نافع بن هلال حتّى دنوا من الشريعة ، فمنعهم عمرو بن الحجّاج ، فجادلهم العباس على الشريعة بمن معه حتّى أزالوهم عنها ، واقتحم رجّالة الحسين الماء ، فملئوا قربهم ، ووقف العباس في أصحابه يذبّون عنهم حتى أوصلوا الماء إلى عسكر الحسين (١).
ثمّ إنّ ابن زياد كتب إلى ابن سعد :
أما بعد : فإنّي لم أبعثك إلى الحسين لتطاوله الأيام ، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ، ولا لتكون شفيعه إليّ ، فأعرض عليه وعلى أصحابه النزول على حكمي ، فإن أجابوك فابعث به وبأصحابه إليّ ، وإن أبوا فازحف إليه فإنّه عاقّ شاقّ ، فإن لم تفعل فاعتزل جندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا.
فنادى عمر في أصحابه أن انهدوا إلى القوم ، فنهض إليهم عشيّة الخميس وليلة الجمعة لتسع ليال خلون من المحرّم ، فسألهم الحسين تأخير الحرب إلى غد ، فأجابوه.
قالوا : وأمر الحسين أصحابه أن يمضوا مضاربهم بعضهم من بعض ، ويكونوا أمام البيوت ، وأن يحفروا من وراء البيوت أخدودا ، وأن يضرموا فيه حطبا وقصبا كثيرا ، لئلاّ يؤتوا من أدبار البيوت فيدخلوها.
* * *
قالوا : ولما صلّى عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه ، وعلى ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ـ واسم شمر شرحبيل بن عمرو بن معاوية ، من آل الوحيد من بني عامر بن صعصعة ـ وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن
__________________
(١) أنساب الاشراف : ٣ / ١٨١.