لمّا استكف الناس بالحسين ركب فرسه ، ثمّ استنصت الناس ، فانصتوا له.
فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ثم قال :
تبّا لكم [ ٤٨ ـ ألف ] أيّتها الجماعة وترحا (١) ، حين استصرختمونا ولهين (٢) فأصرخناكم موجعين ، شحذتم علينا سيفا كان في أيماننا ، وحششتم (٣) علينا نارا اقتدحناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم إلبا (٤) على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل رأيتموه. بثّوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ومن غير حدث كان منّا ولا رأي يقبل فينا.
فهلاّ ـ لكم الويلات ـ إذ كرهتموها تركتمونا والسيف مشيم (٥) والجاش (٦) طامن ، والرأي لم يستخف ، ولكن استصرعتم إلينا كطيرة الدبا (٧) ، وتداعيتم إلينا كتداعي الفراش (٨) ، قيحا وحكة وهلوعا وذلة لطواغيت الأمة وشذاذ (٩) الاحزاب ، ونبذة الكتاب ، وعصبة (١٠) الآثام ، وبقيّة الشيطان ، ومحرّفي الكلام ، ومطفئ السنن ، وملحقي
__________________
(١) وفي نسخة ( تعسا ) بدل ترحا ، وفي ( س ) : برحا!
والترح محرّكة : الهمّ والحزن ، وفي المجمع : هو الهلاك والانقطاع.
(٢) ولهين : أي متحيّرين ذاهبين عقولهم ، من الوله.
(٣) وحششتم : أي أوقدتم ، من حششت النار احتشاشا أي اوقدتها ، وأصله من جمع الحشيش للايقاد.
(٤) ( إلبا ) بكسر الهمزة وفتحها ، من قولهم ( هم علي إلب ) أي مجتمعون عليه بالظلم والجور والعدوان ـ قاله في القاموس.
(١) ( مشيم ) بفتح الميم من شام السيف إذا غمده ، والسيف مشيم أي مغمد.
(٢) الجأش : رواغ الكلب إذا اضطرب عند الفزع ، وفي القاموس : الطامن الساكن. وفي ( س ) : ضامن.
(٣) ( الدّبا ) بفتح الدال وتخفيف الباء : الجراد الصغير ، وفي النهاية لابن الأثير : الدباء الجراد قبل أن يطير.
(٤) وفي بعض النسخ : كتهافت الفراش ، والفراش ـ بالفتح وتخفيف الراء ـ جمع فراشة ، وهي صغار البقّ.
وقيل : شبيهة بالبعوضة ، تتهافت في النار لضعف أبصارها ـ قاله في المجمع.
(٥) قوله عليهالسلام ( شذّاد ) بضمّ الشين وتشديد الذال كرمّان : الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم. وفي بعض كتب اللغة : الشذاذ من الناس : القليلون أو الغرباء. وفي بعض النسخ : وبقية الاحزاب.
(٦) العصبة ـ بضمّ العين فالسكون ـ الجماعة من الرجال ، والجمع عصب كغرفة وغرف ، وسميّت بذلك أخذا من