القديم والجديد ، ولكن تنامي قوة المسلمين واشتداد ساعدهم أحدث رعبا كبيرا ، وأوجد قلقا واسعا في أوساط اليهود القاطنين في المدينة لأن تقدّم الاسلام والمسلمين المطرد كان يدلّ على أن الدين الاسلامي سيعمّ في أقرب وقت كل أنحاء شبه الجزيرة العربية ، وستتقلّص ( بل تزول ) في المقابل قوة اليهود وسلطانهم ، ومكانتهم ، من هنا نصب أحبار اليهود العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعمدوا إلى ممارسة سلسلة من الأعمال الإجهاضية والإيذائية.
لقد أخذوا يؤذون رسول الله صلىاللهعليهوآله والمسلمين بمختلف أنحاء الطرق وبشتى الوسائل والسبل ، والمعاذير والحجج ومن جملتها التذرع بقضيّة صلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله والمسلمين الى بيت المقدس.
فكانوا يقولون معيّرين إياه : أنت تابع لنا تصلي الى قبلتنا!!
أو كانوا يقولون : تخالفنا يا محمّد في ديننا وتتبع قبلتنا (١).
فشقّ هذا الكلام على رسول الله صلىاللهعليهوآله واغتم لذلك غما شديدا فكان يخرج من بيته في منتصف الليل ويتطلع في آفاق السماء ينتظر من الله أمرا ووحيا في هذا المجال كما تفيد الآية الآتية :
« قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها » (٢).
ويستفاد من الآيات القرآنية في هذا المجال أنه كان لتغيير القبلة مضافا إلى الردّ على دعوى اليهود سبب آخر أيضا.
وهو أن هذه المسألة كانت من المسائل الاختبارية التي اراد الله تعال بها ان يمتحن المسلمين ، ويميّز المؤمن الواقعي الحقيقي عن أدعياء الايمان ، المنتحلين له كذبا ونفاقا ، وأن يعرف النبيّ صلىاللهعليهوآله به من حوله معرفة جيدة لأن إتباع النبيّ صلىاللهعليهوآله في الأمر الثاني الذي نزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله في أثناء الصلاة ( وهو التوجه إلى المسجد الحرام ) كان علامة قوية
__________________
(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٢٥٥ أو : ما درى محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم.
(٢) البقرة : ١٤٤.