فيما بينهم ، وحكم آخرهم كحكم أولهم ، ولو سلم عدم دلالته على ذلك فأقصاها إلحاق هذا الزمان إلى زمن نصب الصادق عليهالسلام بزمن النبي صلىاللهعليهوآله ويختص به تصور قاضي التحكيم ، وربما احتمل تصوره في زمن الغيبة بالمرافعة إلى المفضول مع وجود الأفضل بناء على اختصاص النصب له دونه ، لكن ـ مع ما في الاحتمال المزبور من النظر ـ ستعرف أن التحقيق نصب الجميع.
وبالجملة فقد ظهر لك بالتأمل في جميع ما ذكرناه انحصار دليل مشروعية التحكيم بالإجماع المدعى ، وهو حجة على من لم يتبين خلافه ، أو إطلاق تلك الأدلة الذي إن لم يقيد بما سمعته من اعتبار إذن الامام عليهالسلام في مطلق الحكومة ينفتح منه باب عظيم لا يختص بقاضي التحكيم ، كما أومأنا إليه في أول البحث ، وخصوصا إذا قلنا إن ذلك من المأذون فيه ، ولو لا دعوى الإجماع لأمكن القطع باستفادة نفوذ الحكم بالعدل الذي هو حكم الامام عليهالسلام من جميع شيعته.
قال أبو بصير (١) : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قول الله تعالى في كتابه ( وَلا تَأْكُلُوا ) (٢) إلى آخرها فقال : يا أبا بصير إن الله قد علم أن في الأمة حكاما يجورون ، أما إنه لم يعن حكام أهل العدل ، ولكنه عنى حكام أهل الجور ، يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت ، وهو قول الله عز وجل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ) (٣) إلى آخرها ».
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٨٨.
(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٦٠.