الثانية التي هي نحو دعوى الإعسار والوفاء ورد المغصوب والوديعة ونحوهما مما لا يترك عن المطالبة بالحق لو ترك الدعوى بذلك. وقد اعترف به في المسالك في دعوى الرد من الأمين وإن اشتبه بذكر ذلك في وجه كونه مدعيا.
ومن ذلك يعلم ما في كلام جماعة أن هذا التفسير هو المتبادر المتناسب لما ذكره غير واحد من كون الدعوى بمعنى الطلب الذي منه ( وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ ) (١).
مضافا إلى معلومية التغاير بين الدعوى بمعنى التداعي الذي هو المخاصمة وبينها بمعنى التمني ، وإلى عدم انطباقه على دعوى الزوج عدم التصرف بالزوجة مع الخلوة ، فإنه مدع عندهم ولا يترك لو ترك هذه الدعوى ، فإن الزوجة تطالبه بتمام المهر بدعوى دخوله بها ، والفرض أن القول قولها معها.
( و ) لعله لذا ( قيل : ) إن المدعي ( هو الذي يدعي خلاف الأصل ، أو أمرا خفيا ) منافيا للظاهر الشرعي ، فإنه حينئذ أشمل من الأول ، لاندراج دعوى الحق له والخروج عما عليه فيه ، لكونهما معا مخالفين للأصل ، واندراج دعوى ما يخالف الظاهر شرعا فيه أيضا ، وعن بعضهم حكاية التفسير بالمعطوف خاصة عن بعض وبالمعطوف عليه خاصة عن آخر ، وحينئذ تكون الأقوال الأربعة.
لكن ظاهر المصنف والنافع وغيره انحصار الخلاف في قولين ، ولعله لأن دعوى تفسيره بالأخير خاصة مما لا ينبغي صدوره ، ضرورة عدم منافاة أكثر الدعاوي للظاهر الذي هو مقتضى العادة ونحوها ، لا أن المراد به ولو من جهة الأصل الذي لم يعهد التعبير به ، بل في الغالب
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ ـ الآية ٥٧.