ان هذه الأسئلة خاطَرَتْ الكثير من العقول المفكرة ، وأصحاب النظريات الفلسفية والاجتماعية ، فأدلىٰ كلٌ منهم بدلوه ، وظهرت نتيجة ذلك نظريات واتجاهات متعددة ، في تفسير الظاهرة الدينية عند الإنسان ، وسوف نعرض قسماً من هذه النظريات محاولين مناقشتها بموضوعية وبشكل مختصر بما يتلائم وطبيعة البحث متجنبين الإسهاب ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً .
أوّلاً : نظرية الجهل
وهي النظرية القائلة : بأنّ ( الدين كان وليد الجهل بالمظاهر الطبيعية ) ، لأن الإنسان القديم كان يتألم من تلك المظاهر الطبيعية ، كالزلازل ، والصواعق والفيضانات والسيول . . . إلى آخره . وهو لا يعلم مصدرها وعلّتها وكيفية تكونها .
وحينما لم يستطع أنّ يعلل تلك الظواهر الطبيعية ، ويحللها ويصل إلى أسبابها الحقيقية كان يضنّ أنّ لكل ظاهرة طبيعية روحاً ، وكان يتخذ من هذه الروح إلهاً .
وعليه فإذا كان منبع الدين هو الجهل بحقيقة هذه الظواهر ، فإنّه يزول قطعاً عند معرفة الأسباب الحقيقية لها ، ( ولما كان العلم الحديث القائم على أُسس التجربة العينية قد أزال النقاب عن كثير من ألغاز الطبيعة ومجهولاتها ، وعرّف الإنسان الأسباب الطبيعية لهذه الظواهر . . . فلم يعد هناك ما يبرّر الإيمان بهذا المبدأ الغيبي ، واستطاع العلم أن يحلّ بكفاءة محلّ التفسيرات الغيبية الميتافيزيقية .