الأشياء من حوله ، فيدرك بعقله النير ، وفطرته التي تهديه ، بأنّه لا بدّ وأن يكون له خالقٌ مدبرٌ حكيم ، فيتوجه إليه بالعبادة والخضوع ؟ ! أم إن راسل ومن يوافقه يريدون أن يسلبوا من الإنسان الأوّل حتّى التفكير الّذي يميزه عن الحيوان ؟ !
وإذا كان كلامه صحيحاً ، فلماذا نرى كبار الفلاسفة والمفكرين ، منذ الزمن القديم ، منشدّين إلى الله بكل وجودهم ، على الرغم من اختلاف تصورهم عن الله ؟ إن نظرة واحدة إلى التاريخ الفلسفي في العصور القديمة تُجلّي الحقيقة بأبهى صورها .
ونسأل مرة أُخرى : هل إن الالتجاء إلى الله تعالى ، والاطمئنان به ، تخلّصاً من الخوف الناشيء من الاختلاف أو الكوارث ، فيه ما يعيب ؟ ! وماذا يقول راسل عندما يقرأ آخر الأبحاث النفسية التي تؤكد أن الإيمان بالله تعالى علاج ناجح جداً ، للتخفيف من المعاناة والعقد النفسية ، الناتجة عن الكوارث وغيرها ؟
إنّ التوجه إلى الله تعالى في حالة الخوف ليس فيه ما يعيب ، لأنّه من فطرة الإنسان ، التي فطرها فاطر السموات والأرض ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (١) .
جاء رجل إلى الإمام الصادق عليهالسلام فقال له : يا بن رسول الله دلّني على
________________________
١) سورة يونس : ١٠ / ٢٢ .