غَفُورًا ) (١) .
أمّا الصنف الثاني من الناس ، وهم الذين أُوتوا البينات ، وبُعث إليهم النبيّون ، مبشرين ومنذرين ، ثمّ بعد كلّ ذلك يصرّون مستكبرين ومعاندين ، لا يؤمنون بالله ولا يوحدونه ، فأولئك هم البُغاة الذين قال الله فيهم : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ . . . ) (٢) . وعليه فإنّ عبادة غير الله ليست منافية لفطرية الدين ، لأنها ناشئة عن الغفلة والشبهة .
وأمّا البغي فإنّه ينافي الفطرة ، وهو شذوذ عنها ، وهذا ليس غريباً ، حيث نرىٰ أن بعض الناس قد شذّوا عن أُمور فطرية كثيرة ، أمثال العزوف عن الزواج أو راحة الجسد والمحبّة لبني الإنسان .
الملاحظة الثانية : ومفاد هذه الملاحظة هو : أنكم قلتم إنّ الإنسان بفطرته يتوجّه إلى مصدر غيبي وقوة أزلية تتجاوز الحسّ والعيان ، ولكننا نجد أن عبادة الأصنام ، أو الأفلاك ، أو ما شابه ذلك ، إنما هي عبادة أشياء محسوسة ، وحقائق مادية ، فكيف توفّقون بين كلامكم السابق وهذه الحقيقة ؟
وفي معرض الاجابة عن هذا السؤال ، نورد النصّ التالي : يقول الدكتور محمد عبد الله دراز : « فاعلم أنّ كلمات الباحثين في تقسيمات
________________________
١) سورة النساء : ٤ / ٩٨ ـ ٩٩ .
٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٣ .