ووصولك إلى الكمال المنشود ، وعلى هذا فلا بد أن يكون لوجودك ووجود كل ما حولك معنىً وحكمة ، والذي يتوجب عليك حنيئذٍ ان تبحث عن هذه الحكمة .
ثم ان العقل والفطرة تدعوان الإنسان للتأمل من جديد ليحكم بعد ذلك بحتمية ان يكون لهذا الخالق منهج وقانون يتحتم على الإنسان السير عليه ، لكونه غير شاذ عن كلِّ الموجودات الّتي حوله ، حيث يحكمها قانون الله سبحانه بدون ان تتخلف عنه أبداً ، وتحقق بذلك كمالها ، وتصل إلى حقيقتها .
( فلحبة الحنطة في مسيرها الحياتي طريق خاص بها ، وفي داخل بنيتها الوجودية ثمة انظمة وتحضيرات معينة ، تكون فعّالة في شرائط خاصة ، تعمل على جذب ما تحتاج إليه من عناصر ومواد تناسب مقدارها ، مع ما تحتاجه نبتة الحنطة في نموها ، وما تقدر على استهلاكه ، وتقودها إلى غايتها المحددة .
إن النظام الخاص الّذي يتحكم بمسير ونمو حبة الحنطة ، وسط محيط من تنوّع العوامل الداخلية والخارجية ، لا يمكن ان يتخلف أبداً ؛ إذ لم يحصل أبداً أن تغير مسار حبة الحنطة ، بعد شوط من النمو ، ليتماثل مع بيئة الحياة الخاصة ، لشجرة التفاح مثلاً ، حيث لم نشاهد ـ إلى الآن ـ حبة حنطة ، تحولت بعد جهد إلى شجرة لها جذوع وأغصان وفروع . . .
وهذه القاعدة تجري في جميع أنواع الوجود ، والإنسان بدوره غير مستثنى من هذه الضابطة الكلية ، فله في حياته مسيره الطبيعي الفطري ، وغاية مقصودة تمثل سعادته وكماله ، بالاضافة إلى أنّ بنيتهُ الوجودية مجهزة بأدوات تشخص له مسيره الفطري الطبيعي ، وتهديه إلى منافعه الواقعية ) (١) .
إلى هنا اكتمل الشوط الأوّل من مسيرة الإنسان الفكرية والتطلعية ، فبعد أن ثبت له أن له خالقا ، وثبت كذلك حتمية وجود المنهج والبرنامج الّذي لا بد أن يسير
________________________
١) مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي / الطباطبائي : ٨٢ ـ ٨٣ .