في بشارة المصطفى ( ٤ ، ٥ ) بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة ، قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في نفر من الشيعة ، وكنت فيهم ، فجعل الحارث يتلوّذ في مشيه ويخبط الأرض بمحجنه ، وكان مريضا ، فدخل فأقبل عليه أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكانت له منزلة منه ، فقال : كيف تجدك يا حارث؟
فقال : نال منّي الدّهر يا أمير المؤمنين ، وزادني غليلا اختصام أصحابك ببابك ، قال عليهالسلام : وفيم خصومتهم؟
قال : في شأنك والثلاثة من قبلك ، فمن مفرط غال ، ومقتصد وال ، ومن متردّد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم.
قال عليهالسلام : فحسبك يا أخا همدان ، ألا إنّ خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي.
فقال له الحارث : لو كشفت فداك أبي وأمّي الريب عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا؟
قال : فذاك ، فإنّه أمر ملبوس عليه ، إنّ دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحقّ ، فاعرف الحقّ تعرف أهله ، يا حار إنّ الحقّ أحسن الحديث ، والصادع به مجاهد ، وبالحقّ أخبرك فأعرني سمعك ، ثمّ خبّر به من كان له حصانة من أصحابك.
ألا إنّي عبد الله وأخو رسوله ، وصدّيقه الأكبر ؛ صدّقته وآدم بين الروح والجسد ، ثمّ إنّي صدّيقه الأوّل في أمتكم حقّا ، فنحن الأوّلون ونحن الآخرون ، ألا وإنّي خاصّته ـ يا حارث ـ وصنوه ووصيّه ووليّه وصاحب نجواه وسرّه ، أوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرآن ، واستودعت ألف مفتاح يفتح كلّ مفتاح ألف باب ، يفضي كلّ باب إلى ألف ألف عهد ، وأيّدت ـ أو قال : وأمددت ـ بليلة القدر نفلا ، وإنّ ذلك ليجري لي والمتحفظين من ذريتي كما يجري اللّيل والنهار ، حتّى يرث الله الأرض ومن عليها.