من قال : نحّاه وصلّى هو بالناس ، ومنهم من قال : بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس ، ومنهم من قال : كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر ، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.
ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها ، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام ، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبي صلىاللهعليهوآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر ، فلمّا سمع حسّ رسول الله صلىاللهعليهوآله تأخّر ، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه ، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره ، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر » ، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبي صلىاللهعليهوآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩ ؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني ؛ حيث قال في جملة كلامه : فكان ـ من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه ، وإعلامه بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يموت ـ ما كان ، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف ، فنسب عليّ عليهالسلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس ؛ لأنّ رسول الله ـ كما روي ـ قال : « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن ، وكانت صلاة الصبح ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر ... وكان عليّ عليهالسلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا ، ويقول : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال ، وغضبا منها ؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما ، وأنّه صلىاللهعليهوآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....
وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث : ٥٥ » ثمّ قال : في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان الإمام لأبي بكر ؛ لأنّه جلس عن يساره ، وقولهم : يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله ، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.
والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي ، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة ، وإسناد من معه ، إلى الصلاة ، فلمّا أحسّ النبي صلىاللهعليهوآله خرج يتهادى بين عليّ عليهالسلام والفضل ، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة ، فكبّر صلىاللهعليهوآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.