رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١).
وأمّا ابنتي فاطمة ، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ... وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصبت حقّها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة ، مكروبة ، مغمومة ، مغصوبة ، مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمّ العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلّل من أذلّها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين.
وأمّا الحسن ، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي ، وقرّة عيني ... وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي ، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا ، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته ، ويبكيه كلّ شيء ، حتّى الطير في جوّ السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.
وأمّا الحسين ، فإنّه منّي ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ... وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي ، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، فأضمّه في منامه إلى صدري ، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي ، وأبشّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله ، وموضع مصرعه ، أرض كرب وبلاء ، وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة ، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم ، فخرّ عن فرسه صريعا ، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش ، مظلوما.
ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، ثمّ قام وهو يقول : اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثمّ دخل منزله.
__________________
(١) البقرة ؛ ١٨٥.