نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) ، بلى والله ، لقد سمعوها ووعوها ، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها ، أما والّذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لو لا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.
قال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٢٤١) معلّقا على هذه الفقرة : فوصفهم بإيثار الدنيا على الآخرة ، على وجه يوجب على المتمكّن من ذلك منعهم بالقهر ، وسوّى بينهم وبين المتقدّمين عليه بجعلهم آخرا لأوّلهم ، وصرّح باستحقاق الجميع الموافقة على الظلم وإيثار العاجلة ، وأنّه عليهالسلام إنّما أمسك عن أولئك وقاتل هؤلاء ؛ لعدم التمكّن هناك ؛ لفقد الناصر ، وحصوله هاهنا لكثرته ، وهذا تصريح منه عليهالسلام بظلم القوم له.
وفي كتاب سليم بن قيس (٩٤) قول النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : وستبقى بعدي ثلاثين سنة ، تعبد الله ، وتصبر على ظلم قريش ، ثمّ تجاهد في سبيل الله إذا وجدت أعوانا ، تقاتل على تأويل القرآن ـ كما قاتلت على تنزيله ـ الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الأمّة.
وفي أمالي الصدوق (٣١٢) بسنده عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه عليهمالسلام ، قال : بلغ أمّ سلمة زوجة النبي صلىاللهعليهوآله أنّ مولى لها ينتقص عليّا ويتناوله ، فأرسلت إليه ، فلمّا أن صار إليها قالت له : يا بني بلغني أنّك تنتقص عليّا وتتناوله؟ قال لها : نعم يا أمّاه ، قالت : اقعد ثكلتك أمّك حتّى أحدّثك بحديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ اختر لنفسك : إنّا كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله تسع نسوة ، وكانت ليلتي ، ويومي من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فدخل النبي صلىاللهعليهوآله وهو متهلّل ، أصابعه في أصابع عليّ عليهالسلام ، واضعا يده عليه ، فقال صلىاللهعليهوآله : ...
__________________
(١) القصص ؛ ٨٣