مرّ ما يتعلّق بوصيّة النبي صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام بالصبر على غصب حقّه ما لم يجد أعوانا في الطّرفة الرابعة والعشرين ، عند قوله صلىاللهعليهوآله : « يا عليّ ، اصبر على ظلم الظالمين ما لم تجد أعوانا ».
ويبقى هنا أن نشير إجمالا إلى أنّ عليّا عليهالسلام لم يبايع القوم أبدا ، وإنّما انقاد لهم بوصيّة من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو الّذي عبّر عنه في كتب التاريخ بالمبايعة ؛ أخذا بظاهر صورة الأمر ، هذا مع الإغماض عن أنّه ما انقاد لهم إلاّ بعد استشهاد الصدّيقة الطاهرة الزهراء عليهاالسلام.
ففي الشافي في الإمامة ( ج ٣ ؛ ٢٤٢ ) : روى إبراهيم الثقفي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبيه ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن عقبة بن سنان ، عن الزهريّ ، قال : ما بايع عليّ عليهالسلام إلاّ بعد ستّة أشهر ، وما اجترئ عليه إلاّ بعد موت فاطمة عليهاالسلام.
وفي الصراط المستقيم ( ج ٣ ؛ ١٠٦ ) : وأخرج مسلم ، أنّه قيل للزهريّ : لم يبايع عليّ عليهالسلام ستّة أشهر؟ فقال : لا والله ولا واحد من بني هاشم. وفي تاريخ ابن الأثير ( ج ٢ ؛ ٣٣١ ) قال الزهريّ : بقي عليّ عليهالسلام وبنو هاشم والزبير ستّة أشهر لم يبايعوا أبا بكر ، حتّى ماتت فاطمة عليهاالسلام فبايعوه.
وقد حقّق الشريف المرتضى في الشافي ( ج ٣ ؛ ٢٣٧ ـ ٢٧٣ ) أنّ عليّا لم يبايع القوم إلاّ ظاهرا ، وبأمر من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنّه عليهالسلام احتجّ على القوم ولم يسكت ، وتخلّف عن بيعتهم ، ولو افترضنا أنّه سكت ، فإنّ السكوت ينقسم إلى الرضا وعدمه ، مع أنّ الأدلّة كلّها تدلّ على أنّه عليهالسلام لم يرض خلافتهم ولم يبايعهم.
كما حقّق ذلك أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ( ٢٢٠ ـ ٢٢٧ ) وقال من جملة كلامه : وأمّا البيعة ، فإن أريد بها الرضا ، فهو من أفعال القلوب الّتي لا يعلمها غيره تعالى ، بل لا ظنّ بها فيه ؛ لفقد أماراتها وثبوت ضدّها ، وإن أريد الصفقة باليد فغير نافعة ، لا سيّما مع كونها واقعة عن امتناع شديد ، وتخلّف ظاهر ، وتواصل إنكار عليه ، وتقبيح لفعله ، وموالاة مراجعة ؛ بتهديد تارة ، وتخويف أخرى ، وتحشيم وتقبيح ، إلى غير ذلك ممّا هو