بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله من المهاجرين والأنصار ، الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيّه ، اتّفقوا جميعا بعد ان اجتهدوا في رأيهم وتشاوروا في أمورهم ، وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيّام وباقي الدهور ، ليقتدي بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين :
أمّا بعد ، فإنّ الله بمنّه وكرمه بعث محمّدا رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده ، فأدّى ذلك وبلّغ ما أمره الله به ، وأوجب علينا القيام بجمعه ، حتّى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السّنن ، واختار ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا ، من غير أن يستخلف أحدا من بعده ، وجعل الاختيار إلى المسلمين ، يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم ، وأنّ للمسلمين برسول الله صلىاللهعليهوآله أسوة حسنة ؛ قال الله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (١) ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يستخلف أحدا ؛ لئلاّ يجري من أهل بيت واحد ، فيكون إرثا دون سائر المسلمين ، ولئلاّ يكون دولة بين الأغنياء منهم ، ولئلاّ يقول المستخلف : إنّ هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة.
والّذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء ، أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم ، فمن رأوه مستحقّا لها ولّوه أمورهم ، وجعلوه القيّم عليهم ؛ فإنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة.
فإنّ ادّعى مدّع من الناس جميعا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله استخلف رجلا بعينه ، نصبه للناس ونصّ عليه باسمه ونسبه ، فقد أبطل في قوله ، وأتي بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وخالف جماعة المسلمين.
وإن ادّعى مدّع أنّ خلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله إرث ، وأنّ رسول الله يورّث ، فقد أحال في
__________________
(١) الأحزاب ؛ ٢١