وانهم يجعلون الحسن والقبح لاجل وجود المصلحة والمفسدة في الشيء ، فالشيء لاجل مصلحته يحكمون بحسنه ولاجل مفسدته يحكمون بقبحه ، هكذا ذكروا ولكنه غير مسلم دائما اذ احيانا يحكم العقلاء بقبح الشيء وليس فيه مفسدة او يحكمون بحسن الشيء وليس فيه مصلحة. ومثال ذلك ما لو فرض وجود انسان مريض يتمنى الموت لحظة بعد اخرى وليس لوجوده اي نفع فاذا قتل واستخرج من قلبه دواء خاص امكن ان يستفيد منه شخصان عالمان تحفظ به حياتهما ، في مثل هذه الفرضية يكون قتل ذلك الشخص غير مشتمل على المفسدة اذ اي مفسدة في قتل مثل الشخص المذكور ولكن مع ذلك هو قبيح. اذن صفة الحسن والقبح لا تنشأ دائما من المفسدة والمصلحة بل قد تنشأ من غيرهما وان كانت في الغالب تنشأ منهما.
ان قلت : ان القتل في المثال المذكور اذا لم يكن مشتملا على المفسدة فكيف حكم العقلاء بالقبح ، ان حكمهم المذكور يكون بلا مبرر.
قلت : ان هذا نفسه دليل على حقانية الاتجاه الاول وان الحسن والقبح صفتان ثابتتان في الواقع ولا ربط لهما بالمصلحة والمفسدة ـ خلافا لما يدعيه اصحاب الاتجاه الثاني ـ وان كانتا في الغالب تلتقيان مع المصلحة والمفسدة وتكونان هما المنشأ لحكم العقل بالحسن والقبح.
طرحنا فيما سبق تساؤلا وهو أنه اذا حكم العقل بحسن شيء او قبحه فهل يلزم حكم الشارع بالوجوب او الحرمة ، واستعرضنا قبل الاجابة عنه مقدمة ، وبعد الفراغ منها نعود الى تساؤلنا السابق. وقد طرحت له اجابتان :