وهذا بخلافه في المقارنة الثانية حيث يقضي وجداننا بوجود تغاير بين مفهوم الحيوان ومفهوم الأنسان. ولكن من أين نشأ هذا التغاير والحال أنّ مفهوم الإنسان هو مفهوم الحيوان الناطق؟ ولماذا لم تتحقق المغايرة في المقارنة الاولى وتحققت في خصوص المقارنة الثانية؟ إنّ ذاك يعود الى أنّ مفهوم الأنسان وإن كان مركبا من مفهومين : مفهوم الحيوان ومفهوم الناطق إلاّ أنهما لم يلحظا بما هما مفهومان بل بما هما مفهوم واحد البس لباس الوحدة ، لوحظا بما هما مندمجان ، فالإنسان مفهوم واحد لوحظ فيه مفهوم الحيوان والناطق بنحو الوحدة واللف والإندماج والإجمال. إنّ هذه الملاحظة هي التي صارت سببا للتغاير بين المفهومين.
ب ـ أن يكون الإختلاف بين المفهومين ثابتا بلحاظ ذاتهما لا بسبب اختلاف كيفية الملاحظة.
ومثال ذلك : ما لو علمنا أنّ المولى أصدر في حق زيد حكما معينا ولكن لا ندري هل هو أكرم زيدا أو أطعم زيدا ، فإن كان هو الأكرام فنحن بالخيار بين الإطعام وغيره من أفراد الإكرام ، وإن كان هو الإطعام فلا خيار في الأفراد الاخرى للإكرام.
واذا لا حظنا مفهوم الإكرام ومفهوم الإطعام لم نجد مفهوم الإكرام جزء من مفهوم الإطعام بحيث يكون مفهوم الإطعام مركبا من جزئين ـ أحدهما مفهوم الإكرام لوحظا بنحو الوحدة والإندماج حتى يكون التغاير بينهما ناشئا من اختلاف كيفية الملاحظة وإنّما هما مختلفان بلحاظ ذاتهما ، فمفهوم الإكرام في ذاته مغاير لمفهوم الإطعام وإن لم يكونا في عالم الخارج والإنطباق كذلك بل أحدهما