ولاجل ان الحكماء قالوا : ان العالم من لوازم ذات الحق تعالى ويستحيل انفكاكه عنه عرفوا عند المتكلمين بانهم قائلون بالايجاب منكرون لقدرة الحق تعالى واختياره لان لزوم الاثر ووجوبه ينافى اختيار المؤثر ، والاختيار لازم القدرة.
ثم انه من الظاهر الّذي لا يخفى على احد ان الحكماء لم يقولوا : ان استحالة انفكاك العالم عن ذات الحق كاستحالة انفكاك الآثار عن الاشياء الطبيعية لانهم قائلون بالعلم والمشية للحق تعالى دون الطبائع ، فليس تمثيل بعض المصنفين من المتكلمين للمقام بالنار والاحراق فى محله ؛ ولاجل ذلك صرح بعض الاكابر كالحكيم السبزوارى رحمهالله فى منظومته بان مرادهم هو ان الحق تعالى موجب بكسر الجيم اى موجب لفعله بعلمه ومشيته اللذين هما عين ذاته تعالى لا انه موجب بفتح الجيم فى فعله واثره كالنار الا ان يقال : ان وجه التمثيل ومناط الايجاب اى الموجبية بفتح الجيم هو لزوم الاثر للمؤثر وامتناع انفكاكه عنه سواء كان المؤثر عالما شاعرا باثره أم لا ، وهذا هو المتنازع فيه.
نقد وتنبيه
اعلم ان الصحة الماخوذة فى تعريف المتكلمين هى الخامس من اقسام الامكان المذكورة فى المسألة الخامسة والعشرين من الفصل الاول من المقصد الاول ، وقد قلنا هناك : ان ذلك الامكان هو مناط قدرة الفاعل ، وانه هو الامكان الذاتى للاثر باعتبار صدوره عن المؤثر ، وهو المسمى بالامكان الصدورى فلو كان الاثر باعتبار صدوره واجبا كالحرارة من النار فهو الوجوب الصدورى ، او ممتنعا كالحرارة من ذات الماء فهو الامتناع الصدورى وانما قلنا : ان الصحة الماخوذة فى التعريف هى ذلك الامكان لا الامكان الذاتى لانها لو كانت ذلك لكان كل ذى طبيعة كالنار والماء قادرا لان الاثر الصادر منه ممكن نظرا الى ذاته ولكان لفظة منه فى التعريف لغوا بل مصرة.
وحيث ان الحكماء لا يرون العالم ممكنا باعتبار صدوره عن الحق تعالى