فالحكماء الى ان الوجود بشراشره حتى افعال الحيوانات مقتضى ذاته تعالى ولازم هويته على الترتيب العلى والمعلولى حسب علمه العنائى الازلى من دون قصد الى فعله وغرض له ، وكل ما يحدث يقع طبقا لعلمه الازلى تبعا لعلله المنتهية إليه تعالى على الترتيب ، فهو واجب تبعا لعلته التامة وكذا علته حتى تنتهى العلل إليه تعالى ، فلا معنى للاخلال بالواجب عندهم لان ما تمت علته واجب لا يمكن تخلفه والا فممتنع ، واما الشرور والقبائح الواقعة فى الكائنات فهى اعدام عندهم لا تعلق لها بسلسلة الوجود المنتهية إليه تعالى على ما مر تفصيله فى المسألة السابعة من الفصل الاول من المقصد الاول ، فلا معنى للقبيح عندهم أيضا فى فعله تعالى ، فلا معنى لحسن فعل عندهم او قبحه بمعنى تعلق المدح والذم نظرا الى النظام الكلى ، بل كل موجود واجب لا محالة تكوينا بذلك النظر ، نعم انهم يصفون افعال العباد بالحسن والقبح العقليين بحسب مصالحهم ومفاسدهم بمعنى ان العقلاء يذمون ويمدحون من لا يسلك سبيل مصلحته فى افعاله ومن يسلكه فيها نظرا الى نظام الاجتماع لا الى النظام الكلى.
واما الاشاعرة فهم قائلون بان العالم بجميع اركانه واجسامه وما يشتمل عليه من انواع المتكونات وجميع الافعال والاقوال والاعتقادات وجميع ما فى الدنيا والآخرة حادثة مخلوقة لله تعالى بالقصد بغير واسطة من العلل الفاعلية ولا غرض يعلل به ، بل عادته تجرى على ان يخلق شيئا عقيب شيء آخر ، لكن فى الواقع فرق بينهم وبين الحكماء فى نفى الغرض يأتى بيانه اجمالا فى المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى ، ويقولون انما يجب ما يجب من كل شيء بإرادته وقدرته وعادته ، ولا شيء يقبح منه كائنا ما كان ، ولو فعل كما هو فاعل على عقيدتهم الباطلة السخيفة كل ظلم وقبيح وشر وفاحشة فهو حسن لان القبيح ما ينهاه هو عنه ، ولا آمر ولا ناهى يحكم عليه تعالى ، ولا معنى لنهيه تعالى عن فعل نفسه ، وبعضهم بعد الاعتراض عليه بان هذا يستلزم بطلان ارسال الرسل وانزال الكتب والوعد والوعيد والثواب والعقاب التجأ الى القول بالكسب فرارا من شناعة المذهب على ما يأتى تفصيله فى المسألة السادسة.
واما العدلية من الامامية والمعتزلة والزيدية فهم قائلون باستناد الاشياء الى