فى تخلف المراد عن الإرادة التشريعية لان ارادته هذه هى امره تعالى وتخلف المأمور به عن الامر ممكن ، وكذا الكلام فى كراهته التشريعية لانها نهيه تعالى ووقوع المنهى عنه مع النهى ممكن.
ان قلت : الا تعلق لارادته التكوينية بافعال العباد ولا دخل لها فيها؟ قلت : نعم ، انه تعالى ليس شيء فى الوجود خارجا عن تعلق ارادته ، لكن ارادته لفعل العبد طاعة كان او معصية لا تكون الا باسباب منها إرادة العبد ، والعبد مخلى فى مقام ارادته لا ملجأ ولا ممنوع ، وبيان ذلك ان الانسان مركب من طينتين وعجين من حيثيتين وسنخين إحداهما طيبة تقتضى الحسنات والخيرات والاخرى خبيثة تقتضى الشرور والقبائح والسيئات ، ويشهد بذلك الوجدان والنقل الصحيح الكثير والبرهان ، وذلك مذكور فى محاله كالبحار باب الطينة والميثاق وغيره ، ثم أيد الله تعالى الطيبة بالعقول والأنبياء والملائكة والخبيثة بالشهوة وابليس وجنوده ، ولسوء التعليم والتربية والمعاشرة من الآباء والامهات وابناء الزمان وحسنها مدخل كثير فيهما لان الله تعالى جعل لكل شيء اثرا لا يتخلف عنه مع تخلية سبيله ، وحيث ان الانسان مخمر منهما ولا ينفكان عن ذاته ما دام فى هذه الحياة الدنيا فى اى من الاحوال كان ولا يفتران عن الاقتضاء ويكون ما يقتضي إحداهما ضد ما يقتضيه الاخرى فدائما مردد بينهما ، يستطيع من دون الجاء ومنع على جرى مقتضى كل منهما ، وان كان بعض الآحاد يصل فى بعض الافعال حسنة او سيئة الى حد يصير له عادة ويشق تركه عليه ، ومع ذلك لا يصل الى حد الالجاء والمنع ابدا ، فان الانسان كيف كان لا يمكن ان يلجا الى الشرور ومقتضى الخيرات حي فى نفسه والى الخيرات ومقتضى الشرور حي فى نفسه ، فحينئذ له الاختيار بالذات لان له الامتناع عن مقتضى كل منهما بالاخرى ، والاختيار هو كون الذات القادرة بحيث تجرى على ما فى حيطة قدرته تركا وفعلا بالسوية ، واما الإرادة فقد مر فى المسألة الخامسة والعشرين من الفصل الخامس من المقصد الثانى انها التفات واقبال من النفس نحو الفعل ليرتكبه يحصل عقيب الشوق ، فالاختيار ليس باختيارى للزوم التسلسل ، واما الإرادة فاختيارية بمعنى ان النفس تقبل نحو الفعل بالاختيار