المسألة الاولى
( فى حسن البعثة )
قول المصنف : والبعثة حسنة الخ ـ اعلم ان الفطرة كما تشاهد الاله ووحدته على ما مر بيانه فى مسألة اثبات الصانع وتوحيده تطالب التعقل والهداية من ربه الى ما فى العالم من الحقائق والمعارف ، وتطالب أيضا بعد ما يرى الانسان لنفسه الاختيار فى حركاته وسكناته ان يبين له ربه ما يصلحه ويوجب سعادته وما يفسده ويوجب شقاوته بعد ما علم من نفسه عدم الاهتداء الى ذلك وحيرته فى المراحل ، والى هذا اشير فى الحديث : ان الله سبحانه بعث الأنبياء الى الناس ليعقلوا منه فان هذه الغاية من بعثة الأنبياء مطالبة الفطرة ، فالفطرة تنقبض وتحزن لو لم تر ما تطلبه من ربه حاضرا ميسور الوصول ، وتفرح وتنبسط اذا رأته كذلك ، والله تعالى لم يرد ذلك ولم يرض به لان الفطرة ذات منزلة عنده سبحانه اذ هى من حقيقة التوحيد على ما بينه اصحاب الوحى سلام الله عليهم ، فلذلك اكثروا التذكرة بان الارض لا تخلو من الحجة واوّل من وجد فى الدنيا حجة الله وآخر من فقد منها حجة الله ، فالفطرة ناطقة وبحقيقتها السليمة شاهدة على ان من الحسن الواجب عليه تعالى ان يكلم عباده ويبين لهم طريق الوصول الى بابه والتقرب بجنابه وان لا يتركهم سدى حيارى متخالفين لم يكن لهم ركن التوحيد والوحدة يلتجئون إليه وقد خلفهم لعبادته وذلك للوصول الى رحمته.
ثم ان بعضا من النفوس قابل لان ينزل عليه من الله تعالى ما ينزل من دون وساطة انسان آخر سواء كان جامعا لشرائط التبليغ الى بعض الناس او كلهم او لم يكن وبعضا منها غير قابل لذلك فلا بد له من وساطة حجة من الله عليه كما ورد التنبيه على ذلك فى الاحاديث.
ثم ان الانسان الطالب بفطرته بيان الحق تعالى المحب بالحقيقة للوقوف على