الاولى ما ذكره الشارح ، وإيضاحها ان ما جاء به النبي ان كان موافقا للعقول فلا حاجة إليه وان كان مخالفا لها وجب رده ، ثم قالوا : لكنهم جاءوا بما يوافقها فكان اتيانهم به لغوا وبما يخالفها فلا يجوز اتباعهم فيه ، والجواب ان هاهنا شقّا ثالثا وهو ان يأتى النبي بما لا يهتدى إليه العقول ، فاذا جاء به قبله العقل اتكالا على ثبوت صدقه عنده بالمعجزة او على تصديق حسنه بعد بيان النبي ، والى هذا اشار المصنف بقوله : واستفادة الحكم فيما لا يدل ، واستفادة الحسن والقبح ، والفرق بينهما ان الحكم فى الاعتقاديات والحسن والقبح فى العمليات ، وهذا القسم هو اكثر الامور كثرة بالغة ، بل افراد البشر لا يهتدون الى المعقولات مع معارضة الاوهام ومصادمة الغضب والشهوات والانس بالعصبية والعادات وارسال الوجهة من اوّل الولادة الى الماديات لانها موانع ، ومعها كيف الاهتداء ، وكيف الحكم من انفسهم على انفسهم بانهم فى الغفلة عن هذه المانعات او انها مانعات ، فاصحاب هذه الفكرة والروية انما تذكروا لما قالوا فى قبال الأنبياء عليهمالسلام بعد ما سمعوا منهم من البيانات والبينات فقلبوا الامر عند اراذل الناس وطغامهم بكلمات مشابهة بكلماتهم ودعوا الناس الى خلاف ما هم دعوهم إليه علوا واستكبارا لا عقلا وخضوعا للحق ، قال الله تعالى : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ ) ، ثم ان القسم الاول ليس لغوا لان فائدته تأكيد ما يحكم به العقل بل تنبيه الغافل عنه ، وإليه اشار المصنف بقوله : كمعاضدة العقل فيما يدل عليه ، على ان حكم العقول مع معارضة الاوهام ليس ثابتا كما نراه عيانا بين الناس ، واما سنة الله تعالى فلن تجد لها تبديلا ، واما الشق الثانى فالحكم بمخالفة بعض احكام الشرع لما يقتضيه العقول انما نشأ من قصرها وعدم احاطتها بالمصالح والمفاسد الدنيوية والاخروية البدنية والرّوحية واقتصارها بالمصالح والمفاسد المناسبة لما فى ظاهر امورهم الدنيوية ، وتفاصيل اجوبة الايرادات على بعض الاحكام الشرعية مذكورة فى الاحاديث العللية والاحتجاجات ، وهذه عمدة شبههم ، فلذا لم يذكر غيرها.