فمن اشتغل بها غافلا عنه تعالى ليس بعابد له جل وعلا وهو كالمشتغل بالدنيا وزخارفها.
المسألة الثانية
( فى وجوب البعثة )
قول المصنف : وهى واجبة لاشتمالها الخ ـ يدل هذا الكلام ان للانسان تكاليف عقلية وتكاليف سمعية ، وهو المشهور.
ولكن المفيد رحمه الله تعالى قال فى اوائل المقالات : ان العقل لا ينفك عن سمع وان التكليف لا يصح الا بالرسل ، واتفقت الامامية على ان العقل يحتاج فى علمه ونتائجه الى السمع ، وانه غير منفك عن سمع ينبه الغافل على كيفية الاستدلال ، وانه لا بدّ فى اوّل التكليف وابتدائه فى العالم من رسول ، ووافقهم فى ذلك اصحاب الحديث ، واجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا ان العقول تعمل بمجردها من السمع والتوقيف ، الا ان البغداديين من المعتزلة خاصة يوجبون الرسالة فى اوّل التكليف ، ويخالفون الامامية فى علتهم لذلك ، ويثبتون عللا يصححها الامامية ويضيفونها الى علتهم فيما وصفناه.
اقول : الحق مع المفيد رحمهالله وان خالفه اقوام حتى بعض الامامية بظاهر كلامهم لان العقل البشرى له مقام القبول والاستعداد فلا بد له فى مقام الحكم والاستدلال من تنبيه وافاضة من العالين ولو قبل هذه النشأة ، واما الاشاعرة فيعزلون العقل بالكلية على اصلهم كما مر.
قول الشارح : بان التكاليف السمعية الخ ـ إيضاح هذا الاستدلال ان الانسان بمجرد عقله يعمل بالتكاليف العقلية ، ولكن الشرع اذا اتى بالتكاليف الاخرى وواظب الانسان عليها كان للعمل بالتكاليف العقلية اقرب واحفظ فيحصل اللطف فى حكم العقل بالشرع.