العصمة غريزة معها لا داعى الى صدور المعصية مع القدرة عليها ، وتلك الغريزة هى قوة العقل بحيث توجب قهره على سائر القوى النفسانية.
وقال السبزوارى فى اسرار الحكم ما مضمونه : ان العصمة خلق يمنع صاحبه عن الخطأ من جهة علمه بمثالب المعاصى ومناقب الطاعات ، فيمكنه المعصية وعدم الطاعة ، لكنه لعلمه بمعايب المعاصى ومضارها لا يرتكبها ، ولعلمه بمحاسن الطاعات ومنافعها يفعلها ، وتلك الهيئة النورية العلمية تؤكد وترسخ رسوخا فى الأنبياء والاولياء بتتابع الوحى والالهام.
ويظهر من الشيخ فى الشفاء ان العصمة الواجبة فى النبي هى العدالة الكاملة ، قال : وافضل الناس من استكملت نفسه عقلا بالفعل ومحصلا للاخلاق التى تكون فضائل عملية ، وافضل هؤلاء هو المستعد لمرتبة النبوة ، ثم قال : ورءوس هذه الفضائل عفة وحكمة وشجاعة ومجموعها العدالة ، وهى خارجة عن الفضيلة النظرية.
وقال الاحسائى فى المجلى : انها العدالة المطلقة المستلزمة لحفظ النسبة بين جميع الموجودات المشار إليها فى قوله عليهالسلام : بالعدل قامت السماوات والارض.
اقول : العصمة فى اللغة المنع ، وكذا فى الاصطلاح لم يتجاوز عن هذا المفهوم لان مفهومها عند الكل هو الامتناع عن المعاصى ، لكنهم ارادوا تعيين حقيقتها اى ما به يتحقق الامتناع ، فالمنع انما يكون فى قبال الاقتضاء كما ان الاذن أيضا كذلك ، لكن الاذن هو تخلية سبيل المقتضى الى ظهور اثره ، والمنع سد سبيله لئلا يظهر اثره ، فسد السبيل اما بعدم شرط كما هو ظاهر تفسير الاشاعرة للعصمة حيث قالوا : هى عدم القدرة على المعصية فان القدرة شرط لظهور ما يقتضي النفس بشهوتها وغضبها من المعاصى والخطايا ، ولكن قولهم ظاهر خطأه ، واما بوجود مانع كما هو ظاهر تفسير غيرهم للعصمة باللطف او الغريزة او الخلق او العدالة ، فظاهر الكل ان نفس النبي بما هى نفس انسانية تقتضى نظائر ما يصدر عن غيره من المعاصى والذنوب ، ولكنّ لها حاجزا يسد باب ذلك الاقتضاء ، وذلك الحاجز هو قوة نفسه وعقله من جهة