صلاح الدين والدنيا يفتقر الى رئاسة عامة فيهما اذ لو تعدد الرؤساء فى الاصقاع والبقاع لادى الى منازعات ومخاصمات موجبة لاختلال امر النظام ، ولو اقتصرت رئاسته على امر الدنيا لفات انتظام امر الدين الّذي هو المقصود الاهم والعمدة العظمى.
اقول : ان كلا من أمراء هؤلاء القوم من البدء الى اليوم كان امره مقصورا فى رئاسة الدنيا سواء كان واحدا فى عصر او متعددا اذ لم يكن عنده علم الدين ليكون رئيسا دينيا ، نعم كانوا قد يداخلون بغير حق فى امور الدين ويرتكبون باسمه ما اقتضى اهوائهم ، وكان علمائهم الحاطمون لدين الناس الهاضمون من دنيا اولئك الاناس قد يحكمون ويقضون حسب اهوائهم ، فلم يكن لهؤلاء القوم امام بالمعنى الّذي فسروه ، فمات كل منهم الى اليوم ميتة جاهلية لان معرفة الشيء بشخصه فرع وجوده حينا ما.
ثم ان القوشجى بعد ذكر الشبهتين والجوابين قال : وظاهر انهما ( اى الجوابين ) مجرد دعوى ، وقوله هذا صدر من العصبية العمياء مع انك قد عرفت ان الجوابين يدفعان الشبهتين على مذهبنا لا على مذهبهم.
قول المصنف : ووجوده لطف وتصرفه الخ ـ ان الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم كانوا ائمة الامة فى امور الدين الّذي هو المقصود من بعث الأنبياء عليهمالسلام لان علوم الدين جميعا اصولا وفروعا منهم اخذت وإليهم انتهت ، وهذا امر قد تسلمه الخاصة والعامة على حسب الاحاديث المروية عن النبي صلىاللهعليهوآله فى حقهم والشهود والوجود ، واما امور الدنيا فانهم كانوا مشيرين فيها للرؤساء وآحاد الامة الى مصالحهم فى الشئون والخطوب فى موارد كثيرة عديدة لا تحصى على ما فى زبر التواريخ والسير وان لم يكن فى ايديهم ظاهر السلطان ، وهذا اهم شئون التصرف وكاف لحصول غرضه تعالى لانه اهتداء الناس بهم بالاختيار ، وقد اهتدى بهم صلوات الله عليهم وباصحابهم واتباعهم فى زمانهم وبعده الى اليوم من كان اهلا للاهتداء ، وانما قعدوا عن حقهم مع قدرتهم على اخذه فى ايسر زمان لما قد قدره الله تعالى ، ومنه بلوى الناس ليظهر ما فى صدورهم ، قال الله تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا