المسألة الحادى عشرة
( فى وجوب التوبة )
عقد هذه المسألة فى الكلام مع انها فقهية لان التوبة متعلقة بالعقاب.
قول الشارح : التوبة هى الندم الخ ـ الندم هو اضطراب روحى مع انقباض يحصل للانسان عند اعتقاد التضرر بما فعله او تركه اختيارا بحيث لو استطاع تدارك ذلك لفعل ، وهذا يلزمه العزم على ترك المعاودة لا محالة كالعكس فهما متلازمان ، والعزم انما يتعلق بما فى حيطة الاختيار فيما يستقبل ، فما فعل بالعبد او ترك منه خارجا عن اختياره لم يصح ان يقال : انه كان عازما عليه ، فلذلك اذ حضر الموت فات مجال التوبة مع ان الندم حاصل وترك المعاودة واقع قهرا ، قال تعالى : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) ، ولذلك قال تعالى : وليست التوبة لهم ، اى لم يتحقق منهم التوبة اذ لا يقدرون على ذلك العزم عند حضور الموت ، ولم يقل : لا تقبل توبتهم لان التوبة اذا تحققت من العبد قبلها الله تعالى تفضلا كما عليه الامامية والاشاعرة وفريق من المرجئة او وجوبا كما عليه المعتزلة وفريق آخر من المرجئة لانه تعالى قال : يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، فتقييد التوبة فى الآية بالمقبولة كما فى بعض التفاسير ليس على ما ينبغى ، واما قوله تعالى فى المرتدين : فلن تقبل توبتهم فذلك فى ظاهر الشرع لا عند الله تعالى ان وقعت منهم التوبة حقيقة.
اقول : الظاهر ان التوبة المثبتة فى قوله تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ ) الآية والمنفية فى قوله تعالى : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ) الآية هى توبة الله تعالى فان العبد اذا تاب الى الله عز وجل بالايمان والتقوى تاب الله عليه بالرحمة والمغفرة ، فمحصل الآيتين ان عفوه تعالى للذين يتوبون من قريب