حجّيّة القطع
تقدّم في الحلقة السابقة (١) أنّ للمولى الحقيقي ـ سبحانه وتعالى ـ حقّ الطاعة بحكم مولويّته.
تقدّم سابقا في الحلقة الثانية أنّ المولى الحقيقي وهو الله ـ عزّ وجلّ ـ له حقّ الطاعة على عباده بحكم كونه مولى وخالقا وبحكم كونهم عبيدا له ، فإنّ من حقّ السيّد على عبده الطاعة بحكم العقل في السيّد الحقيقي ، بخلاف المولى الجعلي أي الذي جعلت له الولاية كالنبي والإمام وأولياء الأمر ، فإنّهم وإن كان لهم حقّ الطاعة على الناس ، إلا أنّ حقّهم هذا مجعول من الله وليس ذاتيّا لهم.
فالمولى الحقيقي يحكم العقل بوجوب إطاعته وامتثال أوامره والانزجار عن نواهيه.
وأمّا دائرة حقّ الطاعة فهي :
والمتيقّن من ذلك هو حقّ الطاعة في التكاليف المقطوعة ، وهذا هو معنى منجّزيّة القطع ، كما أنّ حقّ الطاعة هذا لا يمتدّ إلى ما يقطع المكلّف بعدمه من التكاليف جزما ، وهذا هو معنى معذّريّة القطع. والمجموع من المنجّزيّة والمعذّريّة هو ما نقصده بالحجّيّة.
هنا أمران : الأوّل : معنى المنجّزيّة والمعذّريّة ، والثاني : ما هو المقصود من الحجّيّة.
أمّا الأوّل ، فنقول : إنّ القطع معناه الانكشاف التامّ عن الواقع بنحو لا شكّ ولا ريب ولا احتمال في قباله ممّا يوجب الإذعان والجزم والتصديق والاستقرار في النفس وعدم الحيرة. وهذا القطع تارة يكون منجّزا وأخرى يكون معذّرا ، فالمنجّزيّة والمعذّريّة من خصائص القطع وليستا نفس القطع.
فالمنجّزيّة للقطع معناها أنّ القطع بالتكليف يكون متعلّقا لحقّ الطاعة ومدخلا
__________________
(١) الحلقة الثانية ، ضمن بحوث التمهيد تحت عنوان : حجّيّة القطع.