والاشتباه ، بحيث يضمن المحافظة على ملاكات الواقع الترخيصيّة ويبرز أهمّيتها ورجحانها بنظر المولى. وكلا هذين الحكمين يستحيل صدورهما من الشارع والوجه في هذه الاستحالة :
والوجه في استحالة الأوّل : أنّه يلزم اجتماع حكمين واقعيّين حقيقيّين متنافيين في حالة كون التكليف المقطوع ثابتا في الواقع ، ويلزم اجتماعهما على أيّ حال في نظر القاطع ؛ لأنّه يرى مقطوعه ثابتا دائما ، فكيف يصدّق بذلك؟!
إذا كان الترخيص في المخالفة واقعيّا فلا يخلو الأمر إمّا أن يكون ما قطع به من تكليف ثابتا واقعا بأن كان قطعه مصيبا ، وإمّا ألاّ يكون ثابتا واقعا بأن كان قطعه جهلا مركّبا ومخطئا.
فإن كان قطعه مصيبا فهذا يعني أنّ التكليف ثابت في الواقع فيلزم من الترخيص أن يجتمع حكمان تكليفيّان واقعيّان على مورد واحد وهو محال ؛ لأنّ الأحكام التكليفيّة متضادّة فيما بينها يستحيل اجتماعها واقعا على مورد واحد. وعليه فلا يمكنه التصديق بهذا الترخيص الواقعي ، لأنّ التصديق به يلزم منه اجتماع حكمين حقيقيّين متنافيين. وإن كان قطعه مخطئا فهذا يعني أنّه لا يوجد تكليف في الواقع ولكن المكلّف يعتقد بأنّ قطعه ليس مخطئا وإلا لما كان قاطعا ، فإنّ من يعتقد أو يحتمل بأنّ قطعه مخطئ لا يوجد عنده قطع ، بل يزول هذا القطع ويبدّل إلى الظنّ أو الاحتمال أو إلى القطع بالخلاف. وعليه فهو بنظره واعتقاده يرى أنّ قطعه مصيب ، وحينئذ يكون تصديقه بهذا الترخيص الظاهري معناه اجتماع حكمين تكليفيّين متنافيين بنظره واعتقاده بقطع النظر عن الواقع. والمكلّف في هذه الحالة لا يمكنه أن يصدّق بهذا الترخيص ؛ لأنّه باعتقاده مخالف لقطعه ولما قطع به ولو بنظره واعتقاده.
والحاصل : أنّ المكلّف لا يمكنه أن يصدّق بأنّ هذا الترخيص ـ سواء كان واقعيّا أم ظاهريّا ـ جدّي ؛ لأنّه يرى أنّ قطعه بالتكليف مصيب ويرى مقطوعه ثابتا إمّا واقعا أو على الأقلّ بنظره واعتقاده وإلا لم يكن قاطعا. وعليه ، فالتصديق وحمل هذا الترخيص على الجدّيّة محال إمّا واقعا إذا كان مقطوعه ثابتا وكان قطعه مصيبا ، وإمّا بنظره واعتقاده بأن كان مقطوعه غير ثابت وكان قطعه مخطئا وجهلا مركّبا.