جعل الحكم الشرعي على موضوعه الكلّي ، فالقاعدة الأصوليّة ما يستنتج منها جعل من هذا القبيل ، والقاعدة الفقهيّة هي بنفسها جعل من هذا القبيل ، ولا يستنتج منها إلا تطبيقات ذلك الجعل وتفصيلاته.
أمّا الملاحظة الأولى فيجاب عنها بأنّ المراد من الحكم الشرعي الذي ورد ذكره في التعريف هو الحكم الكلّي لا الجزئي ، بمعنى أنّ القاعدة الأصوليّة هي التي يستنبط منها جعل كلّي على موضوعه المقدّر الوجود بنحو القضيّة الحقيقيّة.
فالموضوع والمحمول في القضيّة المستنبطة عن القاعدة الأصوليّة كلاهما كلّي ، بينما القاعدة الفقهيّة هي التي يستنبط منها جعل جزئي ، فهي تطبيق لتلك الكليّة التي استنبطت من القاعدة الأصوليّة ، وهذا يعني أنّ القاعدة الفقهيّة لا يستنبط منها إلا مصاديق وتطبيقات لذلك الجعل الكلّي ولا يستنبط منها جعل كلّي ، بل هي بنفسها جعل كلّي.
وبهذا التفسير للحكم الشرعي وهو الجعل الكلّي سوف لا تدخل القواعد الفقهيّة ؛ لأنّه لا يستنبط منها جعل كلّي والذي هو المعنى المصطلح عليه في الأصول للحكم الشرعي ، وإنّما يستنبط منها تطبيقات مصاديق لهذا الجعل الكلّي. وأمّا الجعل الكلّي نفسه فهو نفس وحقيقة القاعدة الفقهيّة ؛ ولأجل زيادة توضيح هذا الفارق نضرب مثالا لذلك وهو قوله :
ففرق كبير بين حجيّة خبر الثقة والقاعدة الفقهيّة المشار إليها ؛ لأنّ الأولى يثبت بها جعل وجوب السورة تارة وجعل حرمة العصير العنبي أخرى ، وهكذا فهي أصوليّة. وأمّا الثانية فهي جعل شرعي للضمان على موضوع كلّي ، وبتطبيقه على مصاديقه المختلفة كالإجارة والبيع مثلا نثبت ضمانات متعدّدة مجعولة كلّها بذلك الجعل الواحد.
هذا مثال لبيان الفرق بين القاعدة الأصوليّة والفقهيّة ، وهو أنّ مثل حجيّة خبر الثقة والتي هي من القواعد الأصوليّة حيث إنّه بتطبيق هذه الحجيّة على مختلف الأبواب الفقهيّة نستنتج جعلا كليّا كوجوب السورة أو حرمة العصير العنبي ، وهذان الحكمان جعلان كلّيّان على موضوع كلّي ، وهكذا نستطيع أن نثبت بها جعولات كليّة على موضوعات كليّة أخرى ، وفي مختلف الأبواب الفقهيّة. فهي قاعدة أصوليّة لذلك.