فالفارق إذا بين الأمارات والأصول ثبوتي في عالم الواقع ، فكلّ ما ثبت ترجيحه وأهمّيّته بلحاظ قوّة الاحتمال فهو أمارة ، سواء كان لسان جعله في عالم الإثبات والصياغة جعل الطريقيّة والعلميّة أو جعل الجري العملي ؛ لأنّ ذلك مجرّد صياغة اعتباريّة سهلة المئونة. وهكذا بالنسبة للأصول ، فحينئذ نقول :
وإذا اتّضحت النكتة الحقيقيّة التي تميّز الأمارة أمكننا أن نستنتج أنّ مثبتاتها ومدلولاتها الالتزاميّة حجّة على القاعدة ؛ لأنّ ملاك الحجّيّة فيها حيثيّة الكشف التكويني في الأمارة الموجبة لتعيين الأهميّة وفقا لها ، وهذه الحيثيّة نسبتها إلى المدلول المطابقي والمداليل الالتزاميّة نسبة واحدة ، فلا يمكن التفكيك بين المداليل في الحجّيّة ما دامت الحيثيّة المذكورة هي تمام الملاك في جعل الحجّيّة كما هو معنى الأماريّة.
وعلى أساس هذا الفارق الجوهري بين الأمارات والأصول نقول : إنّ مثبتات الأمارة ولوازمها حجّة على القاعدة ولا تحتاج في إثباتها إلى دليل مستقلّ أو قرينة خاصّة ؛ وذلك لأنّ ملاك الحجّيّة في الأمارة هي حيثيّة الكشف التكويني عن الواقع الثابت في الأمارة والذي على أساسه كانت هي الأهمّ بنظر الشارع ، فإنّ خبر الثقة مثلا فيه حيثيّة كاشفة ولذلك كان ترجيحه بلحاظ قوّة هذا الاحتمال الكاشف عن الواقع من دون دخالة لنوعيّة المحتمل ، فإنّه تارة يقوم على الإلزام وأخرى على الترخيص ، فالملاحظ هو حيثيّة الكشف التكويني بمعنى كونها تمام الملاك في جعل الحجّيّة له. وهذه الحيثيّة الكاشفة والتي هي تمام الملاك نسبتها إلى المدلول المطابقي والذي هو مؤدّى الأمارة ونسبتها إلى المداليل الالتزاميّة العقليّة والتكوينيّة والشرعيّة على حدّ واحد ؛ لأنّ درجة الكشف في خبر الثقة كما أنّها تكشف كشفا ناقصا عن المدلول المطابقي ، فهي أيضا تكشف بهذه الدرجة عن المداليل الالتزاميّة ، ولذلك كان جعل الحيثيّة معناه أنّ ما تكشف عنه حجّة سواء المطابقي والالتزامي ، ولا معنى للتفكيك بين المدلول المطابقي وبين المداليل الالتزاميّة في الحجّيّة وعدمها ؛ لأنّ هذا معناه التفكيك بين شيئين مع وحدة الملاك والحيثيّة الكاشفة فيهما ، وهذا يحتاج إلى دليل خاصّ ؛ لأنّ العلّة الموجبة للترجيح والأهميّة وبالتالي لجعل الحجّيّة موجودة في المدلولين معا ، فاللازم هو حجّيّتهما معا ، ويكون التفكيك فيهما على خلاف القاعدة والأصل ويحتاج إلى دليل.