عدم الاحتياج بالعدم المطلق سوف تخرج مثل صيغة الأمر من ضابطة تعريف القاعدة الأصوليّة لاحتياجها إلى غيرها من القواعد الأصوليّة ، لأنّ البحث حول حجيّة السند وحول حجيّة الدلالة بحث أصولي.
وإمّا أن يراد به عدم الاحتياج ولو في حالة واحدة أي مسمّى عدم الاحتياج الذي يصدق على المرّة الواحدة بأن كانت القاعدة الأصوليّة هي التي يستنبط منها حكم شرعي وتكون كافية في هذا الاستنباط ولو لمرّة واحدة على الأقل وإن احتاجت إلى غيرها في الحالات الأخرى ، فهذا قد يتّفق في غير القواعد الأصوليّة أيضا بمعنى أنّ بعض القواعد غير الأصوليّة تكون ولو لمرّة واحدة كافية لاستنباط الحكم الشرعي وحدها من دون أن تحتاج إلى غيرها ، كما في ظهور كلمة ( الصعيد ) فيما إذا كانت كلّ الجهات المعتبرة قطعيّة ، فمن حيث السند يفترض أنّها وردت في القرآن الكريم أو السنّة المتواترة ، ومن حيث الدلالة يفترض كون الدلالة على الوجوب بنحو المفهوم الاسمي لا الصيغة التي هي معنى حرفي.
فهنا يكون البحث حول ظهور كلمة ( الصعيد ) بحثا أصوليّا بناء على هذا التفسير لعدم الاحتياج ؛ لأنّها لم تحتج إلى غيرها من القواعد الأصوليّة ، إذ المفروض أنّ جميع الجهات المعتبرة قطعيّة فلا بحث للفقيه إلا في تنقيح ظهور كلمة ( الصعيد ) ليستنبط الحكم الشرعي.
وبهذا ظهر أنّ هذا التعريف : إمّا أن يكون غير جامع بناء على التفسير الأوّل ؛ لعدم الاحتياج ، وإمّا أن يكون غير مانع بناء على التفسير الثاني ، فهذا الوصف الذي أضافه إلى التعريف غير دقيق وليس تامّا في جميع الموارد والحالات (١).
__________________
(١) ويضاف أيضا : أنّه يلزم الدور من هذا التعريف ؛ لأنّه قد عرّف القاعدة الأصوليّة : بأنّها القاعدة التي لا تحتاج إلى قاعدة أصوليّة أخرى ، فهنا وبقطع النظر عن المراد من عدم الاحتياج قد أدخل في ضابط القاعدة الأصوليّة عدم الاحتياج إلى القاعدة الأصوليّة ، مع أنّ المطلوب من الضابط إعطاء الحدّ أو الرسم الذي على أساسه تعرف القاعدة الأصوليّة ، فقبل معرفة القاعدة الأصوليّة ، كيف عرفنا أنّ تلك القاعدة الأخرى التي احتيج إليها كانت أصوليّة؟! فإمّا أن يلزم أخذ الشيء في تعريف نفسه والذي هو ملاك الدور ، وإمّا أن يلزم منه التقدّم والتأخّر ؛ لأنّ القاعدة الأصوليّة على هذا معلومة قبل هذا التعريف ؛ وإلا لزم التعريف بالمجهول والكلّ باطل.