٤ ـ البحث عن المفهوم وتحليله بما هو هو بقطع النظر عن وجوده الخارجي ، بمعنى البحث عمّا يتألّف منه هذا المفهوم ذاتا أو عرضا ، وهذا البحث يتولاّه علم المنطق.
٥ ـ البحث عن حقيقة وجوهر هذا المفهوم بما هو حاك وكاشف عن الخارج ، أي البحث عن هذا المفهوم المتصوّر في الذهن بما هو حاك عن الخارج ، فالمعنى لهذا المفهوم متصوّر ذهنا إلا أنّ مطابقته للخارج وتفسير هذه المطابقة وتحليلها غير واضحة. وهذا البحث لم يتعرّض له أحد من العلوم المذكورة لا اللغة ولا المنطق ولا الفلسفة ولا الطبيعة ، ولذلك كان من واجب الأصولي التعرّض لهذا البحث لما له من علاقة وطيدة وارتباط وثيق في عمليّة الاستنباط. فإنّ تحليل هذا المفهوم الذهني وكيفيّة ارتباطه بالخارج وحكايته عنه يوصلنا إلى المعرفة الدقيقة للمعنى الموضوع له هذا اللفظ ، أو المعنى الذي يدلّ عليه اللفظ وإن لم يكن موضوعا له لغة.
وحينئذ يكون للبحث الأصولي فائدة كبيرة جدّا حول هذه الألفاظ ؛ لأنّها ترتبط مباشرة في الاستنباط بوصفها عناصر مشتركة.
ولتفصيل ذلك نقول : إنّ البحوث اللفظيّة على قسمين :
الأوّل : البحوث اللغويّة : وهي البحث عن مدلول الكلمة واكتشاف معانيها ، أو تفسير هذه المعاني والكشف عنها.
الثاني : البحوث التحليليّة : وهي البحث عن كيفيّة نشوء هذا المعنى بعد معرفته وتحليل ذلك.
أمّا البحوث اللغويّة : فهي بحوث يراد بها اكتشاف دلالة اللفظ على معنى معيّن ، من قبيل البحث عن دلالة صيغة الأمر على الوجوب ، ودلالة الجملة الشرطيّة على المفهوم.
البحوث اللغويّة التي يبحثها الأصولي لأجل اكتشاف دلالة اللفظ على المعنى المعيّن تنقسم إلى قسمين : الاكتشاف المحض والاكتشاف التفسيري. فصيغة الأمر هل تدلّ على الوجوب وكيف تدلّ على الوجوب؟
والجملة الشرطيّة التي تدلّ على المفهوم يراد اكتشاف وتفسير هذه الدلالة الثابتة وجدانا وما هو نوع الربط الذي يفيد المفهوم؟
وأمّا البحوث التحليليّة فيفترض فيها مسبقا أنّ معنى الكلام معيّن ودلالة الكلام