عليه واضحة ، غير أنّ هذا المعنى مستفاد من مجموع أجزاء الكلام على طريقة تعدّد الدالّ والمدلول ، فكلّ جزء من المعنى يقابله جزء في الكلام.
ومن هنا قد يكون ما يقابل بعض أجزاء الكلام من أجزاء المعنى واضحا ، ولكن ما يقابل بعضها الآخر غير واضح ، فيبحث بحثا تحليليّا عن تعيين المقابل.
البحوث التحليليّة هي أن يكون اللفظ دالاّ على المعنى ولا شكّ فيه ، والكلام المؤلّف من مجموعة أجزاء واضح المعنى أيضا على طريقة تعدّد الدالّ والمدلول ، فكلّ جزء من المعنى له جزء من اللفظ ، فمجموع المعنى يستفاد من مجموع الكلام.
غير أنّ هذه المعاني التي يقابلها ألفاظ بعضها واضح وبعضها الآخر فيه غموض ، ولذلك يأتي البحث التحليلي في علم الأصول ليكشف القناع عن هذا الغموض ، وأنّ هذا اللفظ كيف يمكنه أن يدلّ على ذاك المعنى بعد أن ثبت كونه دالاّ عليه بشكل إجمالي؟ فيبحث في تحليل هذه الدلالة وكيفيّة ثبوتها.
ومثال ذلك : البحث عن مدلول الحرف والمعاني الحرفيّة ، فإنّنا حين نقول : ( زيد في الدار ) نفهم معنى الكلام بوضوح ، ونستطيع بسهولة أن ندرك ما يقابل كلمة ( زيد ) وما يقابل كلمة ( دار ) ، وأمّا ما يقابل كلمة ( في ) فلا يخلو من غموض ، ومن أجل ذلك يقع البحث في معنى الحرف ، وهو ليس بحثا لغويّا ؛ إذ لا يوجد فيمن يفهم العربيّة من لا يتصوّر معنى ( في ) ضمن تصوّره لمدلول جملة ( زيد في الدار ) ، وإنّما هو بحث تحليلي بالمعنى الذي ذكرناه.
من البحوث التحليليّة التي يراد فيها معرفة وتحليل دلالة اللفظ على المعنى بعد معرفة المعنى الحروف والمعاني الحرفيّة.
فمثلا جملة ( زيد في الدار ) تدلّ بمجموعها على معنى واضح ، وهو أنّ زيدا داخل الدار وموجود فيها. وكذلك فإنّ هذا المعنى المستفاد يوجد في الجملة ما يدلّ كلّ جزء فيها من اللفظ على جزء من المعنى على طريقة تعدّد الدالّ والمدلول. فكلمة ( زيد ) تدلّ بوضوح على ذاك الشخص المعيّن ، وكلمة ( الدار ) تدلّ بوضوح أيضا على ذاك المبنى المعروف. وأمّا كلمة ( في ) الموجودة في الجملة والتي يقابلها جزء من المعنى المستفاد من مجموع الكلام يوجد غموض في دلالتها على الظرفيّة ، فهي تدلّ على الظرفيّة ولكن دلالتها على الظرفيّة ليست بنحو واضح ؛ لأنّ الظرفيّة كمعنى اسمي