بينها وبين المعاني الاسميّة. ومهمّ هذه الأقوال قولان : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) ، وما ذكره المشهور (١).
الاتّجاه الأوّل : ما ذهب إليه صاحب ( الكفاية ) (٢) رحمهالله من أنّ معنى الحرف هو نفس معنى الاسم الموازي له ذاتا. وإنّما يختلف عنه اختلافا طارئا وعرضيّا ، فـ ( من ) و ( الابتداء ) يدلاّن على مفهوم واحد.
ذكر صاحب ( الكفاية ) أنّ حقيقة الحرف لا تختلف اختلافا جوهريّا عن حقيقة الاسم ، فالمعنى الذي يدلّ عليه الحرف هو نفس المعنى الذي يدلّ عليه الاسم الموازي له ، لكن لا بنحو الترادف كما سيأتي توضيحه. نعم ، هناك اختلاف عرضي طارئ عليهما وهو كيفيّة الاستعمال. وأمّا الوضع والموضوع له والمستعمل فيه فهو واحد فيهما ولا يختلفان إلا بنوعيّة الاستعمال.
فكلمة ( من ) وكلمة ( الابتداء ) يدلاّن على مفهوم واحد وهو كلّي الابتداء ، وإنّما يختلفان في نوعيّة الاستعمال. وتوضيح ذلك :
وهذا المفهوم إذا لوحظ وجوده في الخارج فهو دائما مرتبط بالمبتدئ والمبتدأ منه ، إذ لا يمكن وقوع ابتداء في الخارج إلا وهو قائم ومرتبط بهذين الطرفين.
مفهوم الابتداء إذا لوحظ وجوده في الخارج أي بالحمل الشائع فهذا دائما مرتبط بطرفين هما المبتدئ والمبتدأ منه ، أي المكان الذي حصل منه الابتداء والفاعل الذي فعل الابتداء ، إذ لا يمكن أن يوجد الابتداء في الخارج إلا إذا كان هناك طرفان ؛ لأنّ مصداق الابتداء في الخارج لا يتعقّل إلا بالطرفين. وليس هناك مصداق آخر للابتداء في الخارج يمكن وقوعه من دون الطرفين ، وهذا يعني أنّه لا يمكن أن يلحظ مفهوم
__________________
(١) نعم ، هناك اتّجاه آخر لكنّه واضح الفساد ، ولذلك أعرض السيّد الشهيد عن ذكره وملخّصه : أنّ المعاني الحرفيّة علاميّة كهيئات الإعراب وعلاماته ، وهذا يعني أنّه ليس لها معنى أصلا وإنّما هي علامة تدلّ وتنبّه على أنّ مدخولها مظروف أو مبتدأ منه ونحو ذلك.
ووجه بطلانه أنّه حينئذ يجوز الاستغناء عن الحرف في الجملة ؛ لأنّها ليست متقوّمة به ، ويلزم كون الجملة تامّة بدونه كالحركات الإعرابيّة وعلامات الإعراب. وهذا مخالف للوجدان اللغوي والعرفي ، إذ لا ريب بأنّ الجملة متغيّرة كلّيّا عند وجود الحرف وعند عدم وجوده.
(٢) كفاية الأصول : ٢٦.