الابتداء في الخارج بالحمل الشائع إلا ضمن الطرفين ، فمعناه متقوّم بالطرفين في الخارج.
وإذا لوحظ وجوده في الذهن فله نحوان من الوجود : فتارة يلحظ بما هو ويسمّى باللحاظ الاستقلالي ، وأخرى يلحظ بما هو حالة قائمة بالطرفين مطابقا لواقعة الخارجي ويسمّى باللحاظ الآلي. وكلمة ( ابتداء ) تدلّ عليه ملحوظا بالنحو الأوّل و ( من ) تدلّ عليه ملحوظا باللحاظ الثاني.
وأمّا إذا لوحظ مفهوم الابتداء الكلّي بما هو موجود في الذهن ، فهذا الوجود الذهني لكلّي الابتداء له نحوان من اللحاظ :
فتارة يلحظ مفهوم الابتداء بما هو هو ، أي مفهوم الابتداء بالحمل الأوّلي والنظر التصوّري مجرّدا عن كلّ القيود والخصوصيّات ، فهذا يسمّى باللحاظ النفسي والاستقلالي.
وأخرى يلحظ مفهوم الابتداء بما هو قائم بالطرفين ، أي مفهوم الابتداء بالحمل الشائع والنظر التصديقي المقيّد بالوجود الخارجي. فهنا يكون لحاظ هذا المفهوم الذهني بما هو حالة قائمة في الطرفين هو عين مفهوم الابتداء الموجود في الخارج ؛ لأنّه قائم بالطرفين غير مستقلّ عنهما. وهذا يسمّى باللحاظ الآلي والربطي.
وحينئذ نقول : إنّ كلمة ( الابتداء ) تدلّ على مفهوم الابتداء الكلّي الذهني بما هو هو ، أي لحاظه مستقلاّ بالحمل الأوّلي.
وكلمة ( من ) تدلّ على مفهوم الابتداء الكلّي بما هو موجود وحالة في الطرفين ، أي لحاظه آلة ورابطا بالحمل الشائع.
فالفارق بين مدلولي الكلمتين في نوع اللحاظ مع وحدة ذات المعنى الملحوظ فيهما معا.
إذا اتّضح أنّ كلمتي ( من ) و ( الابتداء ) تدلاّن على معنى واحد وهو مفهوم الابتداء الكلّي الموجود في الذهن لا في الخارج. والفارق بينهما إنّما هو في نوعيّة اللحاظ فقط ، فإذا لوحظ هذا المفهوم بما هو هو فتستعمل كلمة ( ابتداء ) للدلالة على ذلك ، وإذا لوحظ هذا المفهوم بما هو حالة قائمة في الطرفين فتستعمل كلمة ( من ) للدلالة عليه. وهذا معناه أنّ الوضع والموضوع له والمستعمل فيه واحد وليس