العلاقة الوضعيّة بين اللفظ وهذا المعنى ملحوظة باللحاظ الاستقلالي أو الآلي.
فالاستقلاليّة أو الآليّة ولحاظهما دخيل في نفس العلاقة أي نفس وضع اللفظ لهذا المعنى ، فهذه العلاقة التي جعلها الواضع والجاعل أخذ فيها اللحاظ وقيديّته ، بحيث إنّه إذا لم يكن هذا اللحاظ موجودا لم يكن هناك علاقة وضعيّة أصلا فيكون اللفظ مهملا من دون وضع أصلا. وبهذا يتّضح أنّ المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه اللفظ لم يكن مقيّدا باللحاظ ليكون أمرا ذهنيّا ، بل هو مطلق من هذه الناحية ، ولذلك يكون حاكيا ومنطبقا على الخارج. نعم ، العلاقة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى كانت مقيّدة باللحاظ فإذا وجد اللحاظ كان اللفظ موضوعا أو مستعملا في المعنى ، وإذا انتفى اللحاظ لم يكن للّفظ أيّ معنى أصلا ولم يكن موضوعا أو مستعملا لشيء من المعاني فيكون مهملا. ويترتّب على ذلك عدم المجازيّة ، وتوضيحه :
فاستعمال الحرف في الابتداء حالة اللحاظ الاستقلالي استعمال في معنى بلا وضع ؛ لأنّ وضعه له مقيّد بغير هذه الحالة ، لا استعمال في غير ما وضع له.
وقد يشكل بأنّ كلمة ( من ) وكلمة ( الابتداء ) ما دامتا موضوعتين ومستعملتين في معنى واحد مفهوم وارد وهو مفهوم الابتداء الكلّي ، والفارق بينهما إنّما هو بنوعيّة اللحاظ وكيفيّته والتي هي خارجة عن المعنى ، فهذا لازمه أنّه يصحّ استعمال أحدهما مكان الآخر كالمترادفين مثلا من دون مجازيّة أصلا كأسد وليث ، أو يقال : إنّه يصحّ استعمال أحدهما مكان الآخر ، ولكن بنحو المجاز ؛ لأنّه يكون استعمالا للّفظ في غير ما وضع له.
ومن الواضح أنّ كلا الأمرين فاسد ؛ لوضوح أنّه لا يقال : ( سار زيد ابتداء البصرة ) لا بنحو الترادف ولا بنحو المجاز.
وجوابه : أنّ كلمتي ( من ) و ( الابتداء ) موضوعتين لمعنى واحد والاختلاف بينهما في نوعيّة اللحاظ ، ومع ذلك فلا يصحّ استعمال أحدهما مكان الآخر ، لا بنحو الترادف ولا بنحو المجازيّة ، ولا منافاة بين الأمرين ؛ وذلك لأنّ نوعيّة اللحاظ تمنع من ذلك.
وتوضيحه : أنّنا ذكرنا أنّ الواضع عند ما يريد أن يجعل العلاقة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى يأخذ في هذه العلاقة الوضعيّة قيدا ، وهو أنّه عند ما يريد أن يضع كلمة ( من )