فلا بدّ من افتراض معان رابطة فيها لإيجاد الربط بين ( السير ) و ( زيد ) ، و ( البصرة ) و ( الكوفة ).
البرهان يتألّف من عدّة مقدّمات :
المقدّمة الأولى : إذا أخذنا الجملة التالية : ( سار زيد من البصرة إلى الكوفة ) نجد أنّ الصورة الذهنيّة التي تحصل عندنا من خلال هذه الجملة مترابطة فيما بينها وليست مفكّكة ومبعثرة. وهذا يعني أنّ الجملة تحتوي وتشتمل على معان مترابطة بعضها ببعض ، فالسير والبصرة والكوفة وزيد وهي المعاني الموجودة في الجملة قد انتقلت إلى ذهننا بصورة واحدة مرتبطة فيما بينها. وهذا يعني أنّه يوجد في الجملة معان رابطة هي التي ربطت بين هذه المعاني المفكّكة ورتّبتها بشكل منتظم أدّى إلى حصول صورة ذهنيّة واحدة ، فإذا يوجد في الجملة معان رابطة هي التي سبّبت وأوجدت الربط بين المعاني المفكّكة ، إذ لو لا هذه المعاني الرابطة لم يكن هناك صورة واحدة ، بل كان لدينا صور متعدّدة مفكّكة وهي : السير وزيد والبصرة والكوفة لا ربط فيما بينها. فإنّ هذه المعاني وحدها لا تفيد صورة واحدة مرتبطة ، وإنّما الذي أفاد ذلك هو وجود كلمتي ( من ) و ( إلى ) في الجملة.
وهذه المعاني الرابطة إن كانت صفة الربط عرضيّة لها وطارئة ، فلا بدّ أن تكون هذه الصفة مستمدّة من غيرها ؛ لأنّ كلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ، وبهذا ننتهي إلى معان يكون الربط ذاتيّا لها.
المقدّمة الثانية : أنّ هذه المعاني الرابطة إمّا أن تكون صفة الربط فيها عرضيّة وإمّا أن تكون ذاتيّة.
فإن كانت صفة الربط فيها ذاتيّة فتبيّن أنّه يوجد معان رابطة بذاتها ، أي أنّ حقيقتها وذاتها هي الربط.
وإن كانت صفة الربط فيها عرضيّة فهذا يعني أنّ هذه المعاني الرابطة اكتسبت صفة الربط من غيرها ، بحيث إنّ صفة الربط هذه كانت موجودة وثابتة لذات غيرها هي التي أعطتها هذه الصفة.
وحينئذ نقول : إنّ هذه الذات الأخرى التي ثبت لها صفة الربط هل هذه الصفة ذاتيّة لها أو عرضيّة فإن كانت ذاتيّة ثبت المطلوب ، وإن كانت عرضيّة عاد السؤال