ولا يكفي أن يكون المفهوم المنتزع بإزاء النسبة نسبة بالنظر التصوّري وبالحمل الأوّلي ـ أي مفهوم النسبة ـ وليس كذلك بالحمل الشائع والنظر التصديقي ، إذ لا يتمّ حينئذ ربط بين المفاهيم ذهنا.
الأمر الرابع : أنّ إحضار مفهوم الربط والنسبة كان الغرض منه إحضار حقيقة الربط والنسبة في الذهن ؛ لكي يحصل الارتباط بين المفاهيم الذهنيّة. وهذا المفهوم لا يكفي فيه أن يكون نسبة بالحمل الأوّلي والنظر التصوّري ؛ لأنّ النسبة بهذا المعنى إنّما هي مفهوم النسبة والذي هو معنى استقلالي يمكن تصوّره مجرّدا عن حقيقة الطرفين والربط المخصوص.
وهذا يعني أنّ مفهوم النسبة الحاضرة في الذهن كان صورة ذهنيّة تحكي عن النسبة الخارجيّة الواقعيّة الحقيقيّة القائمة بين الطرفين ، وهذه النسبة لا يمكن أن تربط بين شيئين ؛ لأنّها ليست نسبة حقيقيّة وإنّما هي صورة ذهنيّة للنسبة فقط.
ولذلك فلا بدّ أن يكون هذا المفهوم المنتزع بإزاء النسبة نسبة بالحمل الشائع والنظر التصديقي ، أي نسبة حقيقيّة متقوّمة بالربط بين الطرفين بحيث يستحيل سلب الربط عنها.
وهذا يعني أنّها نسبة بالمعنى الحرفي ، أي أنّ حقيقتها وجوهرها الربط والطرفان ، وعندئذ تكون هذه النسبة الحقيقيّة الحاضرة في الذهن رابطة بين المفاهيم الذهنيّة ؛ لأنّها لا تتصوّر من دون الربط الحقيقي والطرفين فتصوّرها في الذهن وإحضارها فيه يعني وجود نسبة حقيقيّة في الذهنيّة متقوّمة بالطرفين ، أي مفهومي النار والموقد الذهنيّين.
وبذلك يتّضح أوّل فرق أساسي بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي ، وهو أنّ الأوّل سنخ مفهوم يحصل الغرض من إحضاره في الذهن بأن يكون عين الحقيقة بالنظر التصوّري. والثاني سنخ مفهوم لا يحصل الغرض من إحضاره في الذهن إلا بأن يكون عين حقيقته بالنظر التصديقي.
الأمر الخامس : وهو أنّ الفارق الأساسي الأوّل بين المعاني الاسميّة والمعاني الحرفيّة هو أنّ المعاني الاسميّة الغرض من إحضار مفهومها في الذهن هو الحكم بواسطته على الخارج ، وهذا يكفي فيه أن يكون الحاضر في الذهن مطابقا للخارج وعينه بالحمل