الأوّلي والنظر التصوّري ، أي أن يكون الشيء مجرّدا عن خصائص الوجود وقيوده ، بحيث يكون ما في الذهن وهو الصورة الذهنيّة حاكية عن الخارج بعد تجريده عن خصائص الوجود الخارجي. وهذا يتمّ بتصوّره بالحمل الأوّلي ، فيكون المفهوم الحاضر في الذهن مطابقا للصورة الذهنيّة أيضا ؛ لأنّ الحاضر في الذهن هو مفهوم الشيء المجرّد بما هو هو.
وأمّا المعاني الحرفيّة فإنّ الغرض من إحضار مفهومها في الذهن أن تكون هناك مطابقة وعينيّة حقيقيّة ، بأن يكون ما في الذهن عين ما هو في الخارج ، وهذا لا يتحقّق إذا كان المفهوم متصوّرا بالحمل الأوّلي ، بل لا بدّ أن يكون عين ما في الخارج حاضرا بنفسه لا بصورته إلى الذهن.
وبتعبير آخر : أن يكون ما في الخارج مطابقا لما في الذهن ، بأن يكون حاضرا في الذهن مع كلّ خصائصه الخارجيّة. وهذا إنّما يتمّ إذا كان المفهوم مصداقا حقيقيّا للخارج بقيوده وخصائصه ، فيكون ما في الذهن حاكيا عن الخارج ؛ لأنّه عين حقيقته الخارجيّة.
والحاصل : أنّ المعاني الاسميّة إنّما تكون عين الخارج إذا جرّد من خصائصه ولوحظ بما هو هو أي بالحمل الأوّلي ، وإلا فإنّ المفهوم الذهني ليس مطابقا للخارج بالحمل الشائع ؛ لأنّه ليس مصداقا حقيقيّا له.
بينما المعاني الحرفيّة فهي تكون عين الخارج بالحمل الأوّلي وبالحمل الشائع معا ؛ لأنّ ما هو موجود في الذهن هو عين الخارج بقيوده وخصائصه لأنّه مصداق حقيقي له ، وليس مجرّد صورة ومفهوم يحكي عنه فقط. فإنّ الخارج عين ما في الذهن بكلّ خصائصه وقيوده.
وهذا معنى عميق لإيجاديّة المعاني الحرفيّة ، بأن يراد بإيجاديّة المعنى الحرفي كونه عين حقيقة نفسه ، لا مجرّد عنوان ومفهوم يري الحقيقة تصوّرا ويغايرها حقيقة.
وما ذكرناه من أنّ المعاني الحرفيّة الغرض من إحضار مفهومها في الذهن أن تكون عين الحقيقة الخارجيّة لا مجرّد صورة وعنوان حاك عنها ، يعتبر معنى عميقا جدّا للقول بإيجاديّة المعاني الحرفيّة بالمصطلح الأصولي المتعارفة.