الجامع أن يحافظ عليها بعد إلغاء ما به الامتياز من النسب أي الطرفين ، إذ بعد إلغاء الطرفين لا يكون هناك نسبة ، وإنّما مفهوم واسم للنسبة فقط لا النسبة الحقيقيّة.
وهذا برهان على التغاير الماهوي الذاتي بين أفراد النسب الظرفيّة ، وإن كان بينها جامع عرضي اسمي وهو نفس مفهوم النسب الظرفيّة.
الأمر الرابع : أنّ النسب المتعدّدة أنواعا وأفرادا كالنسبة الظرفيّة والابتدائيّة الاستعلائيّة ، بل وأفراد النسبة الظرفيّة أيضا التي هي نوع واحد تحته أفراد ومصاديق متعدّدة ومتكثّرة ، كلّ هذه النسب متغايرة فيما بينها تغايرا ماهويّا ذاتيّا.
فكلّ نسبة وكلّ فرد من أفراد النسبة يختلف ويباين ويغاير الفرد الآخر من النسبة حتّى وإن كان متّحدا معه في النوع.
وهذا التغاير ذاتي وماهوي بمعنى أنّ ذات وماهيّة هذه النسبة تختلف وتباين ذات وماهيّة النسبة الأخرى ، لما عرفنا من أنّ كلّ نسبة تمتاز وتتقوّم بالطرفين. فما دامت النسبة بين الطرفين فهي مباينة للنسبة الأخرى لوجودها بين طرفين آخرين ، وكلّ طرفين مباينان ومغايران للطرفين في النسب الأخرى.
وبهذا ظهر أنّه يستحيل وجود جامع ذاتي ماهوي لعدم وجود مفهوم كلّي تحفظ فيه المقوّمات الذاتيّة للنسب المتعدّدة. نعم ، يمكن أن يكون هناك جامع عنواني اسمي وليس عرضيّا ، وهو نفس مفهوم النسبة الظرفيّة ، فإنّ هذا المفهوم كاسم ينطبق على كلّ النسب الظرفيّة يكون جامعا عنوانيّا اسميّا. وفرقه عن الجامع العرضي أنّ الجامع العرضي فيه جهة اشتراك بين النسب ، ولكنّها ليست ذاتيّة. وهنا لا توجد جهة اشتراك أصلا لا ذاتيّة ولا عرضيّة ، وإنّما هناك مفهوم لفظي اسمي ينطبق على الجميع.
المرحلة الثالثة : وعلى ضوء ما تقدّم أثبت المحقّقون أنّ الحروف موضوعة بالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ (١) ؛ لأنّ المفروض عدم تعقّل جامع ذاتي بين النسب ليوضع الحرف له ، فلا بدّ من وضع الحرف لكلّ نسبة بالخصوص ، وهذا إنّما يتأتّى باستحضار جامع عنواني عرضي مشير ، فيكون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا.
__________________
(١) كما ذهب إليه المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ١ : ٥٥ ـ ٥٦ ، والسيّد الخوئي في المحاضرات ١ : ٨٢ ، وغيرهما إلا أنّ اعتماد هؤلاء في هذه النظريّة على مثل هذا التفصيل الذي سبق في المتن غير واضح.