أمّا الافتراض الأوّل ـ وهو كون المدلول التصوّري في الجملتين واحدا وإنّما الاختلاف بينهما في المدلول التصديقي ـ فهو باطل ولا يمكن قبوله ؛ لأنّه لا يعطي تفسيرا معقولا لحقيقة الاختلاف بين الجملتين.
إذ من حقّنا أن نتساءل : أنّه إذا كان المدلول التصوّري في الجملتين واحدا فهذا يعني أنّ المعنى الموضوع له فيهما واحد والمدلول الوضعي هو المدلول التصوّري ، فهذا يعني أنّ الجملتين يدلاّن تصوّرا على نسبة واحدة ، فالنسبة الموضوعة لها الجملة التامّة تصورا هي نفس النسبة الموضوعة لها الجملة الناقصة. وعليه ، فكيف حصل الاختلاف بالنسبة في مرحلة المدلول التصديقي ، فكانت النسبة في الجملة التامّة من قبيل الحكاية والإخبار والطلب ، بينما كانت النسبة في الجملة الناقصة لمجرّد إخطار المعنى أو حصّة منه؟!
إذ ما دام المدلول التصوّري واحدا فمقتضى التطابق بين الدلالات الثلاث أن يكون المدلول التصديقي واحدا أيضا ، فما هو منشأ الاختلاف إذا مع عدم وجود دالّ زائد يدلّ على هذا الاختلاف؟! بل لما ذا لا يصحّ فرض العكس بأن تكون الجملة الناقصة فيها نسبة تامّة يصحّ السكوت عليها ويقصد بها الإخبار والحكاية والطلب بدلا من الجملة التامّة؟!
وهذا معناه أنّ الفارق التصديقي بينهما لا يصلح تفسيرا وجوابا لهذه التساؤلات ولذلك يتعيّن التفسير الثاني.
وأمّا الثاني فهو يفترض الاختلاف في المدلول التصوّري ، ولمّا كان المدلول التصوّري لهيئة الجملة هو النسبة فلا بدّ من افتراض نحوين من النسبة بهما تتحقّق التماميّة والنقصان.
وأمّا الافتراض الثاني القائل بأنّ الاختلاف بين الجملتين موجود في مرحلة المدلول التصوّري فضلا عن المدلول التصديقي فهو يصلح تفسيرا لهذا الاختلاف والإجابة عن التساؤلات المطروحة ، حيث تقدّم أنّ المدلول الوضعي إنّما هو الدلالة التصوّريّة ، ومن المعلوم أنّ هيئة الجمل من المعاني الحرفيّة وهي موضوعة للنسبة. وهذا يعني أنّ المدلول التصوّري لهيئة الجملة هو النسبة ، ولمّا كان المدلول التصوّري في الجملتين مختلفا فهذا معناه وجود اختلاف في النسبة بين الجملتين.