الجملتين في مدلولهما التصوّري ، واختلافهما في المدلول التصديقي فقط ، وقد تقدّم الكلام عن ذلك.
الاتّجاه الأوّل : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) وغيره ـ كالمحقّقين العراقي والأصفهاني ـ من كون الجملتين الخبريّة والإنشائيّة متّحدتين في المدلول التصوّري والدلالة الوضعيّة أي النسبة ، فكلاهما موضوع للنسبة ، وإنّما يختلفان في المدلول التصديقي فقط ، فقصد الحكاية والإخبار عن الواقع في الجملة الخبريّة وقصد إبراز وطلب الوقوع في الجملة الإنشائيّة مع كون النسبة واحدة فيهما من شئون الاستعمال.
ولذلك فالإخبار والإنشاء خارجان عن المدلول الوضعي التصوّري وإنّما ينشآن من المدلول التصديقي.
والحاصل : أنّ النسبة المدلول عليها في الجملتين وضعا واحدة ولا اختلاف فيها ، وإنّما الاختلاف في الاستعمال والقصد.
وقد تقدّم الكلام عن ذلك حيث قلنا : إنّ هذا الكلام لو سلّم المبنى الذي سار عليه من وحدة المدلول التصوّري في الجملتين فهو إنّما يتمّ بلحاظ الجمل الإنشائيّة والإخباريّة التي يتّحد فيها اللفظ والصياغة ، كما في ( بعت ) التي تستعمل في الإنشاء والإخبار معا. وأمّا في الجمل التي تختلف فيها الصياغة والهيئة التركيبيّة كما في ( يعيد ) و ( أعد ) فلا يتمّ ما ذكر ؛ لعدم وحدة المدلول التصوّري الموضوع له في الجملتين. مضافا إلى ما تقدّم في النقاش السابق عن الجملتين التامّة والناقصة والنقض بموارد عدم قصد الحكاية والإخبار في الجملة الخبريّة كما إذا دخل عليها الاستفهام.
الثاني : أنّ الاختلاف بينهما ثابت في مرحلة المدلول التصوّري ، وذلك في كيفيّة الدلالة ، فقد يكون المدلول التصوّري واحدا ولكن كيفيّة الدلالة تختلف.
الاتّجاه الثاني : أنّ الاختلاف بين الجملتين ثابت في مرحلة المدلول التصوّري فضلا عن المدلول التصديقي ، وهذا الاختلاف إنّما هو في كيفيّة الدلالة والاستعمال ، فإنّه إذا قصد الحكاية والإخبار جاء بالجملة الخبريّة وإذا قصد الطلب والإيجاد جاء بالجملة الإنشائيّة ، فالخبريّة والإنشائيّة خارجتان عن مدلول اللفظ ، وإنّما هما ظهور حالي سياقي للمتكلّم ، فإنّه تارة يكون في مقام الإخبار وأخرى يكون في مقام الإيجاد فكيفيّة الدلالة مختلفة.